(يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً). من صفات المجرمين يوم القيامة انهم لشدة ما يعانون من الأهوال يذهلون عن مدة مكثهم في الحياة الدنيا ، ويقول بعضهم لبعض بلسان المقال أو الحال ، وبصوت خافت : ما لبثنا الا عشر ليال أو ساعات أو لحظات.
وتسأل : حكى سبحانه عن المجرمين في هذه الآية قولهم : لبثنا عشرا ، وفي الآية ١٩ من سورة الكهف : (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) وفي الآية ٥٥ من سورة الروم : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ). فما هو وجه الجمع بين هذه الآيات؟.
وأجاب الرازي بأن بعض المجرمين خطر بباله ان المدة عشرة أيام ، والبعض الآخر انها يوم واحد .. والذي نراه نحن ان كلمة العشر واليوم والساعة ليست حكاية لقول المجرمين بالحرف ، وانما هي كناية عما تخيلوه من قلة المكث ، وقصر الأمد ، وانه تعالى عبّر عن ذلك بالعشر تارة ، وباليوم تارة ، وبالساعة أخرى ، والى هذا يومئ قوله تعالى : (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) ـ ٥٢ الاسراء.
(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً). أمثلهم طريقة هو أفضلهم سيرة ، وأعرفهم بحقائق الأمور ، والمعنى ان هذا الأمثل قال لهم ، وهم يتسارون بينهم ما لبثنا إلا عشرا ، قال : ان الحياة التي كنتم فيها ، وتنافستم على حطامها ما هي في حقيقتها إلا حلم لا يعد بالزمان والأيام .. والحياة الحقة هي هذه التي نحن فيها الآن ، حيث لا أمد لها ولا نهاية.
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً). سأل سائل رسول الله (ص) : كيف تكون الجبال يوم القيامة؟ فقال سبحانه لنبيه الكريم : قل مجيبا عن هذا السؤال : ان الله يقتلعها من أصولها ، ويصيّرها غبارا منتشرا في الفضاء ، ويدع أماكنها من الأرض ملساء ، لا شيء فيها ، ولا ارتفاع ، ولا انخفاض.
(يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ). يومئذ هو يوم القيامة ، وضمير يتبعون يعود الى الخلائق ، والداعي هو الذي يدعوهم الى المحشر والحساب والجزاء ،