(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً). وتسأل : ان ظاهر الآية يدل على ان الله قضى وقدر ان يعيش العصاة الطغاة في حرج وضيق من العيش ، مع ان الذي نراه انهم كلما ازدادوا عصيانا وطغيانا ازدادوا جاها ومالا؟
وأجاب المفسرون بأن المراد بالضنك والضيق هنا قلق النفس واضطرابها على ما في اليد وحذرها من العواقب والمفاجئات ، ومن الضراء بعد السراء.
ويلاحظ بأن هذا القلق شامل لكل من في يده شيء من حطام الدنيا مطيعا كان أو عاصيا ، لأن الطبيعة عمياء لا تميز بين الطيب والخبيث ، وحوادثها لا ترحم صغيرا ولا ضعيفا ، ولا تبالي بمصير الأخيار والأولياء.
والأرجح في الجواب ما ذكرناه في ج ٣ ص ٩٤ بعنوان : الرزق وفساد الأوضاع ، وفي ص ١٣١ من المجلد المذكور بعنوان : هل الرزق صدفة أو قدر؟ ومجمله ان الفقر من حكم الأرض ، لا من حكم السماء ، مما كسبت ايدي الناس الذين أماتوا الحق والعدل .. ولو انهم أقاموا شريعة الله لما وجد على ظهرها فقير.
(وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى). قال بعض المفسرين ، المراد بالعمى هنا العمى عن الحجة والدليل. وقال آخر : بل العمى عن الجنة .. والصحيح ان المراد به المعنى الظاهر ، وهو ذهاب البصر بدليل قوله : (قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً). ولا موجب للتأويل (قالَ كَذلِكَ أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى). انك تهمل اليوم كما أهملت العمل من قبل ، وبالاختصار من ساء عمله في الدنيا ساء مصيره في الآخرة ..
وهذه الآية من أوضح الأدلة على ان العمل في الدنيا أصل ، وثواب الآخرة فرع ، وانه لا سبيل الى نعيمها إلا العمل الصالح .. وعلى الرغم من ان القرآن الكريم يربط الإسلام بالحياة ، والجزاء بالعمل فان كثيرا من شبابنا يقولون : الدين خرافة وأساطير .. وعذرهم في ذلك جهلهم بالإسلام ، وبعدهم عن معرفة حقائقه وأسراره.
(وَكَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ) في طلب الدنيا ، وأخذها من غير حل (وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ) الدالة على وجوده ، ونبوة أنبيائه ، وانزال كتبه ، أو يؤمن بذلك كله ، ولكنه لا يلتزم بالعمل. (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ) ومنه سرابيل القطران