(إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ). هذا سؤال موجه بطبعه الى كل مسؤول عن أعماله وتصرفاته : كيف تقدسون وتعبدون ما لا يضر ولا ينفع ، وأنتم من ذوي العقول والإدراك؟ (قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ). هذا المنطق يلجأ اليه كل من يعجز عن الحجة والدليل ، تقول له : لم فعلت هذا؟ فيقول : فعله فلان. ولا جواب له إلا ما قاله ابراهيم لقومه : (قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ). فالضلال لا يستحيل الى هدى إذا كثر به العاملون.
(قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ). استبعدوا أن يكون ابراهيم جادا في قوله ، لأن آباءهم منزهون عن الخطأ والضلال لا لشيء إلا لأنهم آباؤهم .. ولا يختص هذا المنطق بقوم ابراهيم ، ولا بغيرهم من المشركين ؛ فكل من قلد غيره تقليدا أعمى فهو وعبدة الأصنام سواء (قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ). ما أنا بهازل ولا شاك كيف؟ وهل في الله شك وهزل؟ وهو خالق السموات والأرض (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) أشهد بأن الله هو المكوّن والمصوّر ، وأنا على يقين من شهادتي هذه ، ولي عليها الأدلة القاطعة ، والحجج الدامغة.
(وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) لأفعلن بها في الخفاء ما يسوؤكم ، بحيث لا تشعرون إلا وهي مهشمة محطمة ، وتجدر الاشارة الى أن الأصنام لا تكاد لأنها لا تشعر ، وانما الذين يكادون هم عبدة الأصنام ، وعليه تكون نسبة الكيد الى الأصنام مجازية لا حقيقية لأنها اتخذت وسيلة للكيد بعبدتها.
(فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ). كسر ابراهيم الأصنام وجعلها قطعا متلاشية ، وترك أكبرها ليسأله عبدتها : لما ذا لم يدافع عن الآلهة الصغار ، وهو القوي العزيز؟ والقصد واضح ، وهو ان يعتبر المشركون بأن هذه الأصنام إذا لم تدفع عن نفسها فهي أعجز من ان تدفع السوء عن غيرها.
(قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ). كان الأجدر بهم ـ لو يشعرون ـ ان يسألوا : ما ذا فعلت آلهتهم بالذي حطمها؟ ولكن هذا هو منطق أهل الجهل والتقليد (قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ). اشارة الى قول ابراهيم (ع) :