(وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ). أمسك سبحانه الكواكب بنظام الجاذبية ، كما أمسك الطير في الجو بجناحيه ، وأسند الإمساك اليه تعالى لأنه خالق الكون ، ومسبب الأسباب ، وفي بعض الآيات عبّر عن هذه الأسباب بأيدي الله ، قال تعالى : (أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً) ـ ٧١ يس. وقال : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) ـ ٧٥ ص. وعلى أية حال فان الغاية من قوله تعالى : (وَيُمْسِكُ السَّماءَ) الخ هي الاشارة الى ان على الإنسان أن يطيل الفكر في خلق الكون ، وكيف أتقنه تعالى بقدرته ، ودبره بلطفه وحكمته ، ولو لا هذا اللطف والتدبير لاختل نظام الكون ، وأصبح بجميع كواكبه هباء منبثا.
(وَهُوَ الَّذِي أَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ). تقدم في الآية ٢٨ من سورة البقرة ج ١ ص ٨٦ فقرة «موتتان وحياتان» أما وصف الإنسان بالكفور والظلوم والفخور ونحوه فليس تحديدا لحقيقته وهويته ، بل هو تفسير لسلوكه في بعض مواقفه. أنظر تفسير الآية ٩ من سورة هود ج ٤ ص ٢١٢ وما بعدها.
(لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ). المراد بكل أمة أهل الأديان ، والمنسك يطلق على ما يذبح لوجه الله من الانعام كما في الآية ٣٤ من هذه السورة وأيضا يطلق على مكان العبادة ، وعلى الشريعة والمنهج ، وهذا المعنى هو المراد هنا لقوله تعالى بلا فاصل : (فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ) أي ما دام لكل أهل ملة شريعة ومنهاج فعلى أهل الأديان والملل ان لا ينازعوك يا محمد في الإسلام وشريعته ، فقد كانت شريعة التوراة والإنجيل للماضين ، أما شريعة القرآن فهي لأهل العصر الذي نزل فيه ، ولكل عصر الى يوم يبعثون (وَادْعُ إِلى رَبِّكَ) ولا تهتم باعراض من أعرض ، ونزاع من نازع (إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ) ومن اتبع هداك فلا يضل ولا يشقى.
(وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ). أمر الله نبيه الكريم أن يمضي في دعوته ، وإذا نازعوه عتوا وعنادا أن يعرض عنهم ويقول لهم : الله أعلم بعملنا وعملكم ، وبالمهتدين منا ومنكم ، وهو الحكم في يوم الفصل ، وفيه تعرفون المحق من المبطل.