المعنى :
(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ). ظاهر الآية يدل على ان أية أمة تؤمن بالله ورسوله ، وتلتزم العمل بشريعته فان الله يستخلفها ويمكن لها في الأرض كان على ربك حتما مقضيا .. وقد أخذ بعض المفسرين بهذا الظاهر ، ثم شرع يشرح ويفسر معنى الايمان والعمل الصالح وحدودهما وقيودهما.
أما نحن فمع الذين قالوا : ان المقصود بالآية هم النبي والصحابة خاصة ، فإنهم لاقوا الكثير من الأذى والعناء في ذات الله قبل الهجرة وبعدها ، ورماهم المشركون واليهود عن قوس. واحدة ، وكانوا ، وهم في المدينة الى عام الفتح ، لا يصبحون ولا يمسون إلا مع السلاح ، حتى قال قائلهم ـ كما في تفسير الطبري ـ ما يأتي علينا يوم نأمن فيه ، ونضع عنا السلاح .. فقال له النبي (ص) : لا تعبرون يسيرا حتى يجلس الرجل ليس معه سلاح. وتحقق وعد الله ورسوله ، فما مضت الأيام حتى عاشوا آمنين على أنفسهم وأموالهم ، وحكموا البلاد العربية كلها ، وفتحوا الكثير من بلاد المشرق والمغرب.
(وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ). يشير سبحانه الى انتشار الإسلام وسلطانه في شرق الأرض وغربها (وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً). وهذه هي نتيجة الصبر والتوكل على الله ، وتقدم ذلك بصورة أوسع في الآية ٢٦ من سورة الأنفال ج ٣ ص ٤٦٩. (يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً). والشرك لا يختص بعبادة الأصنام ، فمن أطاع المخلوق في معصية الخالق فهو في حكم المشرك.
(وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ) اشارة الى الاستخلاف والتمكين في الأرض ، والأمن بعد الخوف (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) والله لا يهدي القوم الفاسقين (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). هذا بيان وتفسير لقوله تعالى في الآية السابقة : الذين آمنوا وعملوا الصالحات (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ). الخطاب في لا تحسبن لرسول الله (ص) ، والغرض منه تهديد منه خالف رسالته وعاندها ، وأيضا هو