ولكن لا شيء فيه يبشرهم بخير ، بل هو وبال عليهم وعلى أمثالهم من المجرمين : (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ـ ٥٥ العنكبوت (وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) ضمير يقولون يعود الى الملائكة ، والمعنى ان الملائكة يقولون للمجرمين : حراما محرما عليكم اليوم أن تروا أو تسمعوا ما تحبون ، وقيل : يعود الضمير الى المجرمين لأنه أقرب ، وعليه يكون المعنى ان المجرمين يقولون للملائكة : حراما محرما عليكم ايذاؤنا وتعذيبنا ، وكل من التفسيرين جائز ، ويرجع الى معنى واحد ، وهو خوف المجرمين من شر يوم القيامة وهوله.
(وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ) كانوا يظنون أنه ينفعهم في هذا اليوم (فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) لأنه أسّس على غير الايمان والإخلاص ، ومثله قوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ) ـ ١٨ إبراهيم ج ٤ ص ٤٣٥ (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً). ذكر سبحانه المؤمنين عند ذكر الكافرين ـ على عادته ـ وقال : لهؤلاء عندنا منازل الشر والجحيم ، ولأولئك منازل الخير والنعيم .. وليس المراد هنا من كلمة خير وأحسن التفضيل ، بل المراد ان كلا من المستقر والمقيل هو خير وحسن في نفسه ، مثل الله أكبر أي كبير في ذاته وصفاته.
(وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ). المراد باليوم يوم القيامة ، وبالغمام ان الكواكب تتحلل الى ذرات صغيرة لا تقع تحت العين والوزن ، وبها يمتلئ الفضاء كما يمتلئ بالغمام والضباب. وقد أشار سبحانه الى خراب الكون وتناثر الكواكب في العديد من الآيات ، منها : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) ذهب نورها (وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) تساقطت : ومنها (وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ) تفرقت (وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) بما يسر المحسنين ، ويسوء المجرمين (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ) وحده ولا أحد يملك معه شيئا من الأمر والتصرف (وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً). وأيّ يوم أعظم عسرا على المجرم من يوم محاكمته ونقاشه الحساب على جريمته وصدور الحكم عليه بالحق والعدل. ولو كان حكما بالاعدام لأنتهي بذهاب وقته ،