الله لأنه أبر وأتقى .. ان هذا لشيء عجاب! .. ولكن النبي (ص) صبر على الأذى ، ومضى في دعوته وأدى مهمته لأن ما يدعو اليه يهون كل شيء من أجله .. وهكذا يصمد العظيم للسفهاء وقوى الشر والضلال ، وهو واثق ان الله معه ، وان الغد له لأن الباطل الى زوال وان طال أمده.
وقارن مصطفى صادق الرافعي بين عيسى (ع) حين سخر منه بنو إسرائيل ، وبين محمد (ص) حين سخرت منه قريش ، وقال فيما قال :
«لقد هزءوا بالسيد المسيح من قبل ، فقال للساخرين منه : ليس نبي بلا كرامة إلا في وطنه وفي بيته ، وبهذا رد عليهم رد من انسلخ منهم .. أما نبينا (ص) فلم يجب المستهزئين ، إذ كانت القوة الكامنة في بلاد العرب كلها كامنه فيه. انه سكت سكوت المشترع الذي لا يريد من الكلمة إلا عملها حين يتكلم ، وكان في سكوته كلام كثير في فلسفة الارادة والحرية والتطور ، وان لا بد أن يتحول القوم ، وان لا بد أن ينفطر هذا الشجر الأجرد عن ورق جديد أخضر ينمو بالحياة .. انه لم يتسخط ولم يقل شيئا ، وكان كالصانع الذي لا يرد على خطأ الآلة بسخط ويأس ، بل بإرسال يده في إصلاحها».
وعلينا نحن المسلمين أن نتعلم من هذا الدرس النبوي الثبات والصمود على الحق والتضحية في سبيله بكل عزيز ، وان لا نيأس من انتصار الحق على الباطل ، وان كثر أنصاره ، فان منهم من خدعته الكواذب التي تتكشف وتتبخر مع الأيام ، ومنهم من غلبت عليه شقوته في ساعة ذهل فيها عن ربه وضميره ، ثم يعود اليه ، ويتوب من ذنبه. وأيضا لا ينبغي أن نثق ونطمع في كل من طلب الحق وأقبل عليه ، فما أكثر الناكثين والمارقين ، ومن يتاجرون بالقيم والدين.
(إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا عَنْ آلِهَتِنا لَوْ لا أَنْ صَبَرْنا عَلَيْها). هذا من كلام المشركين الذين سخروا من الرسول الأعظم (ص) وقالوا : «أهذا الذي بعث الله رسولا» قالوا هذا منكرين جاحدين ، ثم اعترفوا من حيث لا يشعرون بأن محمدا كاد يشكّكهم في أصنامهم ، ويصرفهم عن عبادتها بما ظهر على يده من المعجزات ، وأقام من الدلائل والبينات ، واعترفوا أيضا بأنهم قاوموا عقولهم وتغلبوا عليها بشهواتهم وأهوائهم «إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لو لا ان صبرنا عليها». انها لوقاحة