ـ (قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ). قال موسى : ان الله لا يعرف إلا بأوصافه وآثاره ، ومنها خلق هذا الكون العجيب في ترتيبه ونظامه .. فتفكروا وتدبروا ان كان لكم عقول تدرك ان هذا النظام لا يكون إلا بقدرة عليم حكيم.
ـ (قالَ ـ فرعون ـ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ). اسمعوا وتعجبوا .. ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين.
ـ (قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ). قال موسى مصرا ومؤكدا : ان الله هو خالق الكون ، وخالقكم ، وخالق آبائكم ، وخالق فرعون هذا الذي ترببون وتعبدون.
ـ (قالَ ـ فرعون ـ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) .. موسى مجنون في منطق فرعون .. ولما ذا؟ لأنه يقول : فرعون مربوب وليس برب ، ومخلوق لا خالق .. وعلى هذا المنطق الفرعوني كل من ادعى شيئا ليس فيه ، فمن يدعي العلم وهو جاهل ، أو الإخلاص وهو خائن ، أو الصدق وهو كاذب فإنه على ملة فرعون وسنته .. ولو وجد هذا الدعي من يصدقه لقال : أنا ربكم الأعلى .. ما علمت لكم من إله غيري تماما كما قال فرعون.
(قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ). أصر موسى على موقفه وان الله هو خالق كل شيء ، وأشار الى شروق الشمس وغروبها ، حيث لا يجرأ فرعون أن يقول : انه يأتي بها من المشرق ، ويرسلها الى المغرب .. ولذا بهت حين سمع هذه المقالة من موسى ، تماما كما بهت نمرود من قبله حين تحداه ابراهيم الخليل (ع) بقوله : (فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) ـ ٢٥٨ البقرة.
ولما أفرغ فرعون ما في كنانته اضطربت نفسه ، وأخذ يهدد ويتوعد (قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) .. السجن والتنكيل والتعذيب هو السلاح الوحيد لكل طاغ وباغ منذ القديم ضد الحق والعدل والحرية .. ولكن جهاد المحقين الأحرار وصمودهم يجعل سلاح الطغاة يرتد الى نحورهم وصدورهم ،