والدعوة الى الله ، ولا تكترث بهم ، فنحن نحرسك منهم ، ونمنعهم عنك.
(وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً). هذا كناية عن تمرد المشركين على الحق وعنادهم له ، اما نسبة الاكنة والوقر الى الله فقد تكلمنا عنها مفصلا عند تفسير الآية ٢٥ من الأنعام ج ٣ ص ١٧٦ ، وهي نظير هذه الآية نصا ومعنى.
(وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً). كان المشركون إذا سمعوا رسول الله يقول : لا إله إلا الله ، ونحو ذلك ، يعرضون عنه مدبرين ، ويقولون : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ) ـ ٥ ص. ولا سر لهذا النفور والاعراض إلا لأن كلمة التوحيد تنطوي على المبدأ القائل : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ). لا طبقات ولا امتيازات.
(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً). ضمير به يعود الى (ما) وهي هنا اسم موصول بمعنى الشيء .. وتفسير الآية ان الله سبحانه بعد ان قال : (وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) قال : نحن اعلم يا محمد انك حين تتلو القرآن لا يستمع اليك المشركون بقلوب واعية وآذان صاغية ، بل يستمعون اليك بروح الحقد والكراهية ، والعناد والمكابرة ، ثم يقول بعضهم لبعض وللناس ايضا : ان محمدا ساحر ومسحور تلبسته الجن ، ونطقت على لسانه بهذه الحكمة والبلاغة ، وإلا فمن اين لمثله ، وهو الأمي أن يأتي بهذا الاعجاز؟. وفوق هذا لا كنز له من ذهب أو فضة ، ولا جنة من نخيل وأعناب ..
وهكذا ذهب بهم التفكير الطبقي الى ان صاحب المال وحده هو صاحب المناصب الشريفة ، دينية كانت او زمنية : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) ـ ٣١ الزخرف .. اما العقل والصدق والامانة فكلام فارغ.
(انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) استكثروا على محمد (ص) أن يكون رسولا لله ، وان ينطق بلسان الله فضربوا له الأمثال بجعله مجنونا تارة ، وساحرا تارة ، ومرة كاهنا ، وحينا شاعرا .. محمد الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق ساحر مجنون ... فكيف بغيره من الطيبين الأخيار؟ .. ولما ذا محمد ساحر