أن يسمع ويرى ، وينفع ويضر ، فهل تتوافر هذه الصفات فيما تعبدون؟. والاستفهام هنا للإنكار.
(قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ). هذا اعتراف صريح بأنهم مقلدون .. ولا عجب فقد رأينا في القرن العشرين وعصر الفضاء ، رأينا أتباع الأحزاب والمنظمات بشتى أنواعها يقلدون رؤساءهم ، ويستدلون بأقوالهم ، ويأخذونها أخذ البديهيات من غير تحقيق وتمحيص.
(قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ). إذا قلدتم أنتم آباءكم فأنا لا أقلد أحدا ، وأعلن براءتي من آلهتكم وعداوتي لها ، ولا أعبد إلا رب العالمين ، فهو وليي في الدنيا والآخرة ، فان كانت أصنامكم آلهة كما تزعمون فلتنزل كيدها بي وسخطها ، فإني أتحداكم وأتحداها.
(الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ). لقد وهبني الله عقلا أهتدي به الى الحق ، وأنا أتبعه وأحسن استعماله ، ولا أقلد أحدا كما تزعمون (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) بتيسير الأسباب لي ولجميع خلقه ، فلقد خلق سبحانه هذه الأرض ، وأودعها ما يحتاجون اليه ، وقال : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) ـ ١٥ الملك (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) بما خلق من الدواء ، قال رسول الله (ص) : ان لكل داء دواء ، فإذا أصاب الدواء الداء بريء بإذن الله. وفي حديث ثان : ان الله أنزل الداء والدواء ، فتداووا ، ولا تتداووا بحرام (وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ). الموت والحياة وغفران الذنوب بيد الله وحده ، ما في ذلك ريب. وابراهيم (ع) معصوم من الخطأ والخطيئة ، ومن عصمة كل معصوم أن يعظم خوفه من الله.
(رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً). ليس المراد بالحكم هنا السلطان ، بل الحكمة وفصل الخطاب : (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ) ـ ٢٠ ص (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ). وفقني لأن أحذو حذوهم ، واعمل عملهم (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ). المراد بالآخرين ما يأتي بعده من الأمم ، والمعنى اجعل ذكري حسنا بين الناس من بعدي ، وقد استجاب الله دعاءه ، حيث اتفقت على تقديسه وتعظيمه أهل الأديان السماوية كلها.