وكل بناء يسد حاجة من حاجات الحياة فهو خير ، ومن الدين لأن دين الله هو دين الحياة ، أما البناء الذي لا جدوى منه إلا التكاثر والتفاخر فهو شر دينا وعقلا ، وهذا النوع من البناء هو المقصود بالآية بدليل قوله تعالى : (تَعْبَثُونَ) فإن العبث هو الذي لا تدعو الحاجة اليه (وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ). ليس المراد بالمصانع هنا ما نفهمه نحن من هذه الكلمة لأن المصانع التي تنتج ما ينفع الناس هي من صميم الدين ، وانما المراد بالمصانع البناء الذي لا نفع فيه من أي نوع كان.
(وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ). بطش الجبار أن يظلم ، ويقسو في ظلمه ، ويتعاظم لأنه قادر على ظلم الضعيف ، والثابت في دين الله ان الظلم من أكبر الكبائر ، بل هو تماما كالكفر بالله ، وأثبتنا ذلك فيما سبق بنص القرآن .. وأفحش أنواع الظلم ظلم الضعيف .. وقد نزلت هذه الآية حيث لا أسلحة جهنمية ، ولا ملايين يخصصها تجار الحروب لقتل الناس بالجملة ... نزلت يوم كان البطش باليد ، وأقصاه بالسيف أو الرمح أو السهم ، وإذا وصف سبحانه بأقبح الصفات وأفحشها من اعتدى على الضعفاء بصفعة كف ، وهدده بأشد العقوبات فبأي شيء يجازي الذين يمطرون الشعوب المستضعفة بالصواريخ وقنابل النابالم ، وبالأسلحة الكيمائية وغيرها من أسباب الفناء والهلاك ، ويملئون الأرض بالقواعد العسكرية ، والسماء بالسفن العدوانية لا لشيء إلا ليتحكموا بأرواح العباد ، ومقدرات البلاد حسب أهوائهم ومصالحهم؟.
(وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ). دعاهم هود الى طاعة الله ، وذكرهم بنعمه عليهم ، وإمهاله لهم ، وحذرهم من عاقبة التمادي في البغي ، فما زادهم ذلك إلا فرارا واستكبارا (قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) فما نحن لك بمؤمنين ، ولا يزيدنا وعظك إلا إدبارا عنك ، فلا تتعب نفسك في غير جدوى (إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ). هذا إشارة إلى دينهم ، وما يعبدون من الأصنام ، وانهم ليسوا بتار كيها لأنهم ورثوا عبادتها أبا عن جد .. هذه هي حجتهم ، ولا شيء غيرها : انا وجدنا آباءنا على أمة ، وأنا على آثارهم