ينطق عن الهوى ، ولا يتبع إلا ما يوحى اليه من ربه ، فكيف يقال : هو شاعر؟. : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) ـ ٦٩ يس. وتسأل : ألا يدل ذم القرآن للشعراء على ان الإسلام يحارب الشعر والفن؟.
الجواب : كلا .. لأن القرآن ما ذم الشعر من حيث هو ، ولا الشعراء من حيث هم ، وانما ذم الشعر الذي هو زور وباطل ، وذم الشعراء الذين يعرضون عن الحق ويسلكون الطرق الملتوية ، أما الشعراء الذين يعبّرون عن أماني المستضعفين ويقفون مع المظلومين ، ويناصرون العدالة وحرية الإنسان ، ويثورون على الطغاة والعتاة ، وعلى الجهل والتخلف ، أما هؤلاء فإنهم في طليعة المجاهدين في سبيل الله. قيل لرسول الله (ص) : ما تقول في الشعر؟ فقال : «ان المؤمن مجاهد بسيفه ولسانه ، والذي نفسي بيده لكأنما ينضحونهم بالنبل». وهذا النوع من الشعر الذي هو نبل في قلوب الظالمين هو مما عناه الرسول الأعظم (ص) بقوله : ان من الشعر لحكمة. وقال تعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ) ـ ٤ الرحمن. وليس من شك ان الشعر من أعلى فنون البيان وأبلغها ، كما أنه ثروة اللغة وكنزها الثمين.
ولذا استثنى سبحانه الشعراء الطيبين المجاهدين ، استثناهم بقوله : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا). أي انتصر الشعراء للحق وأهله ممن اعتدى عليه وعليهم ، ونافحوا عن الإنسان وحريته وكرامته .. وهذا نص صريح من الله سبحانه على ان شعر الثورة ضد الظلم والطغيان هو من صميم الدين والايمان وصالح الأعمال ، وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) ـ ١٤٧ النساء (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ). هذا تهديد ووعيد بسوء العاقبة لكل من طغى وبغى. والحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين.