الرحمة ، وأرادها لنفسه ، وشفاء من الكفر والإلحاد ، ومن الجهل والفساد ، ومن كل رذيلة لمن أخلص لله والحق. قال الامام علي (ع) في وصف القرآن : «انه الحبل المتين ، والنور المبين ، والشفاء النافع ، والري الناقع ، والعصمة للمتمسك ، والنجاة للمتعلق. ومن خالف حكما من احكام القرآن فما هو منه في شيء بل هو من الظالمين الخاسرين (وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً). القرآن رحمة للمؤمنين ، ونقمة على الظالمين والمفسدين لأنهم كلما عصوا حكما من أحكامه ازدادوا اثما وعذابا.
(وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً). ويتلخص معنى هذه الآية بقول الامام علي (ع) في وصف الإنسان : «ان استغنى بطر وفتن ، وان افتقر قنط ووهن». وتقدم نظيره في سورة يونس الآية ١٢ ج ٤ ص ١٣٩ والآية ٩ من هود ج ٤ ص ٢١٢.
(قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً). قال المفسرون : «الشاكلة الطريقة والمذهب ، ومعنى الآية أن كلا من المؤمن والكافر يعمل على طريقته وخليقته». أما نحن فنشرح الآية ـ كما فهمناها ـ بما يلي :
١ ـ ان كلمة كل تدل على استغراق الأفراد ، فأية قضية تعلق الحكم فيها بكلمة «كل» فإنها تنحل الى قضايا بعدد ما شملت من الأفراد ـ مثلا ـ إذا قلت : كل انسان يفهم هذا فكأنك قلت : زيد يفهمه وبكر وهند الخ. أما إذا قلت : جميع الناس يفهمونه فالقضية واحدة ، والحكم واحد تعلق بالمجموع ، لا بكل فرد فرد ، وعليه يكون المعنى أن لكل فرد من افراد الإنسان شاكلة تخصه وحده تماما كبصمة إبهامه.
٢ ـ روي عن جعفر الصادق (ع) انه فسر الشاكلة بالنية ، ويدل على صحة هذا التفسير قوله تعالى بلا فاصل : (فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً) أي ان الله اعلم بمن يبتغي الهداية ، ويسلك سبيلها مجردا عن كل قصد إلا وجهه الكريم. وعليه يكون المعنى ان كل انسان يعمل على نيته ، وان الله سبحانه يعامله بحسبها ان خيرا فخيرا ، وان شرا فشرا ، فمن تظاهر بالخير ليخدع الناس ، ويبتغي بعمله مآرب شريرة فهو عند الله من المجرمين الأشرار ، ومن سرق رغيفا ليقيم