(وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً). نظر المفسرون ، ومنهم الطبرسي والرازي ، نظروا الى هذه الآية على انها مستقلة عما تقدمها من الآيات ، وقالوا في تفسيرها : ان مشركي قريش لم يؤمنوا بمحمد (ص) لأنهم كانوا يعتقدون بان الرسول يجب ان يكون من جنس الملائكة ، لا من جنس البشر .. وهذا تفسير بعيد عن الآية لوجوه :
«منها» : ان مشركي قريش كانوا يعتقدون بنبوة ابراهيم ، وبأنهم من نسله (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ) ـ ٧٨ الحج.
و «منها» ان قول المشركين لن نؤمن لك حتى تفجر الخ يدل انهم كانوا يؤمنون برسالة البشر ، ولكنهم يشترطون في النبي ان يكون من الأغنياء : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) ـ ٣١ الزخرف. ومرادهم بالرجل العظيم الوليد بن المغيرة من زعماء مكة ، او عروة بن مسعود من زعماء الطائف.
و «منها» : انه لو كان معنى الآية ما قاله المفسرون لكان المشركون معذورين في انكارهم نبوة محمد (ص) لأنهم فعلوا ما يعتقدون ، مع ان الله سبحانه وصفهم في اكثر من آية بأنهم يبدون غير ما يخفون : (بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ) ـ ٢٨ الانعام (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) ـ ١٤ النمل.» ونخلص من هذا الى ان المعنى الصحيح لتفسير الآية ان المشركين لما قامت الحجة عليهم بنبوة محمد (ص) وعجزوا عن ردها لجأوا الى التضليل والتمويه على الجهلاء والبسطاء شأن المبطل العاجز ، وقالوا في مكر وخداع : ان الله لا يبعث للناس رسولا من البشر ، بل من الملائكة ، قالوا هذا ، وهم يعلمون بأنهم لكاذبون ، ولذا قال سبحانه : (إِلَّا أَنْ قالُوا) ولم يقل الا ان ظنوا ونحوه اشعارا بان انكارهم انما هو مجرد عناد وقول من غير اعتقاد.
(قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ ـ أي لو كانوا من اهل الأرض يسعون فيها كالآدميين ـ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً). لقد شاءت حكمته سبحانه وتعالى ان يبعث رسله الى خلقه من جنس المرسل اليهم ، فان كانوا بشرا فرسولهم منهم وإليهم ، وان كانوا ملائكة فكذلك ، لان الجنس الى الجنس أميل : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ـ ١٦٤ آل عمران. والمشركون يعرفون ذلك ؛ ولكنهم يمكرون ويخادعون. وتقدم