٢ ـ (أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها ـ أي بينها ـ تَفْجِيراً). وإذا لم تفجر الأرض لنا عيونا ففجرها لك ـ على الأقل ـ كي تكون كفؤا للمناصب الشريفة العالية ، أما ويدك فارغة من المال فعليك أن تسمع لأهل المال وتطيع .. وهكذا ذهب بهم التفكير المالي الى أن المال وحده هو الذي يجعل صاحبه كفؤا لتولي القيادة والسيادة .. ولم يدركوا أن رسالة محمد (ص) هي ثروة الانسانية وحياتها وعظمتها ، وان محمدا رحمة مهداة الى أهل الأرض لينقذهم من الفقر والجهل ، والظلم والطغيان .. وانّى لعبدة المال وصرعى المطامع أن يدركوا الرحمة والحق والخير؟.
٣ ـ (أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً). اقترحوا عليه أن يفجر الأرض ينبوعا لهم او له ، فان لم يكن هذا أو ذاك فليأتهم بالعذاب من السماء أو بالله والملائكة يشهدون له بالنبوة والرسالة .. وهذا ايضا من وحي تفكيرهم في ان المنصب الشريف حق للأغنياء دون الفقراء ، والدليل على هذا التفكير انهم علقوا ايمانهم بمحمد على امر يرونه محالا .. ومن الواضح ان التعليق على المحال معناه الإصرار وعدم التنازل عن طلبهم لتفجير الأرض ينبوعا ، تماما كما لو قلت : لا افعل هذا حتى يلج الجمل في سم الخياط.
٤ ـ (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ) مبني من الذهب ، او مزين ومنقوش به .. وهذا ايضا من التفكير المالي (أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ) وهو من التعليق على المحال ايضا بزعمهم ، ومعناه الإصرار على ان المال هو المبرر الوحيد لتولي المنصب الشريف كما أشرنا.
(وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ). قال بعض المفسرين الجدد ، معلقا على هذا بقوله : «وتبدو طفولة الإدراك والتصور كما يبدو التعنت في هذه المقترحات الساذجة». كلا ، ليست هذه بطفولة ، ولا هي بسذاجة ، وانما هي من وحي الترف الفاسد ، والامتيازات الجائرة ، والسلب والنهب ، وعبادة المال ، ولا شيء ادل على ذلك من اقتراحهم وشرطهم لاتباع الرسول ان يكون له من بيت من ذهب .. معبودهم الاول ، ومثلهم الأعلى (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) يأتمر بأمر من أرسله ، وينتهي بنهيه : (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) ـ ٣٨ الرعد.