المعنى :
(لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ). يدل ظاهر الآية والحديث المتواتر ان رسول الله (ص) رأى في منامه انه هو وأصحابه قد دخلوا مكة آمنين ، وطافوا بالبيت العتيق كما يشاءون ، وقد حلق البعض رؤوسهم ، وقصر آخرون ، فأخبر النبي أصحابه بما رأى ، ففرحوا واستبشروا وظنوا انهم داخلو مكة في العام الذي كانت فيه الرؤيا ، وسار النبي (ص) بهم متجها الى مكة ، ولما بلغوا الحديبية صدهم المشركون ، وعاد المسلمون الى المدينة كما أسلفنا ... وهنا وجد المنافقون منفذا للطعن وقالوا : ما حلقنا ولا قصرنا ولا رأينا المسجد الحرام ، فأين تأويل الرؤيا؟. وذهلوا أو تجاهلوا ان النبي (ص) لم يعين وقت الدخول ، وقال قائل لرسول الله : ألم تقل : لتدخلن المسجد الحرام آمنين؟. قال : نعم ، ولكن لم أقل في هذا العام ، ولما كان العام القادم وهو السابع للهجرة دخل المسلمون مكة معتمرين ، وطافوا بالبيت كما يشاءون ، وحلق من حلق ، وقصر من قصر ، ومكثوا ثلاثة أيام رجعوا بعدها الى المدينة ، وتسمى هذه العمرة عمرة القضاء ، وفيها نزل قوله تعالى : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا) حيث تحقق ما رآه الرسول وأخبر به.
(فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا). لقد علم الله ان في تأجيل العمرة الى ما بعد صلح الحديبية مصلحة يجهلها المسلمون ، وهي تجنب القتال ، واسلام العديد من المشركين الذين صدوا الرسول والصحابة عن المسجد الحرام عام الحديبية (فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً). ذلك اشارة الى تأويل الرؤيا بدخول المسلمين المسجد الحرام آمنين ، والمراد بالفتح صلح الحديبية ، أو هو وفتح خيبر ، والمعنى ان هذا الصلح والذي بعده أيضا بأيام وهو فتح خيبر ـ قد تحققا قبل تأويل الرؤيا ، وهما نصر كبير تماما كدخول المسجد الحرام (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ). المراد بالرسول محمد (ص) وبالهدى ودين الحق الإسلام ، وقد ظهر وانتشر في شرق الأرض وغربها ، لأنه يدعو الى العمل من أجل حياة أفضل ، وينهى عن كل ما من شأنه أن يقف حجر عثرة في طريقها. وتقدم