ثم ضرب الدكتور طه عمار بن ياسر مثلا على هذا الإسلام الواسع العميق وقال : «كان عمار بن ياسر يقاتل مع علي بصفين في حماس أي حماس ، وهو شيخ قد بلغ التسعين أو تجاوزها ، وكان يقاتل عن ايمان أي ايمان بأنه يدافع عن الحق ، وكان يوم قتل يحرض الناس ويقول : من رائح الى الجنة؟ اليوم ألقى الأحبة محمدا وحزبه ... وكان قتل عمار تثبيتا لعلي والصالحين من أصحابه ، وتشكيكا لمعاوية ومن معه ، ذلك ان كثيرا من المهاجرين والأنصار رأوا النبي (ص) يمسح رأس عمار ويقول له : ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية».
(تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) أي ان منظرهم يوحي الى الرائي بأنهم من أهل الركوع والسجود ، وان لم يرهم راكعين ساجدين (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ). ليس المراد بأثر السجود هنا سواد الجبهة ، كلا فإن أكثر هذا السواد أو الكثير منه رياء ونفاق ، وانما المراد به الصفاء والاشراق الذي يحدث بالوجه من أثر العبادة ، والمعنى ان الصحابة ركعوا وسجدوا رغبة في مرضاة الله وثوابه ، وخوفا من غضبه وعقابه ، وقد تجلى اثر ذلك في وجوههم لكل متوسم ، لأن العبادة الخالصة لوجهه تعالى تحدث في نفس العابد المخلص طهرا وصفاء تظهر دلائله على صفحات الوجه تماما كما تظهر عليه دلائل الحزن والفرح.
(ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ). هذا كناية عن ان أصحاب الرسول (ص) يكونون في البداية قليلا ، ثم يزدادون ويكثرون ... وتوضيح هذه الكناية أو هذا المثل ان التوراة والإنجيل قد بشّرا بمحمد (ص) ، ووصفا أصحابه بزرع نما وأينع وكثرت ثماره وفروعه ، واشتبك بعضها ببعض ، واستقامت على أصولها ، وبلغت غايتها من القوة والكثافة (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ) بحسنه ونموه ... وغير بعيد أن يكون المراد بالزراع هنا رسول الله (ص) ما دام المراد بالزرع أصحابه (ص) لأنه هو الذي رفعهم الى ما بلغوه من العظمة وعلو الدرجات ، وبفضله انتصروا في المعارك التي خاضوها في عهده ومن بعده. وقال سبحانه «الزراع» ولم يقل الزارع تعظيما لشأن الرسول (ص). نقول هذا على سبيل الاحتمال ، وقد سبقنا اليه من قرأ