الجزء الخامس والعشرون (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ). كان آل فرعون في ألذ مطعم ومشرب ، لهم السلطان والقصور والأنهار والثمار ، فأرسل الله اليهم موسى يدعوهم الى العدل وعدم الفساد في الأرض ، فلم يستجيبوا لداعي الله ، فأهلكهم وأورث ما كانوا فيه لقوم لا يمتون اليهم بسبب ولا نسب ... قال الشيخ المراغي عند تفسير هذه الآية : «تغلب على مصر الآشوريون والبابليون حينا ، والحبش حينا آخر ، ثم الفرس مدة واليونان أخرى ، ثم الرومان من بعدهم ، ثم العرب ثم الطولونيون والأخشيديون والفاطميون والأيوبيون والمماليك والترك والفرنسيون والانكليز ، وها نحن أولاء نجاهد لنحظى بخروجهم من ديارنا ، ونتمكن من استقلال بلادنا».
وكان هذا الشيخ في عهد الملك فاروق بن فؤاد ، ونعطف على قوله والآن يحتل الصهاينة سيناء والضفة الشرقية من قناة السويس بمعونة الولايات المتحدة قائدة الاستعمار الجديد ، والمصريون يجاهدون ويقاتلون ليخرجوا المعتدين من أرضهم ... وهكذا الحياة جهاد ونضال ، ولأن يستشهد الإنسان والبندقية في يده ، يدافع بها عن وطنه وكرامته ، خير من أن يعيش عيش الذل والهوان.
(فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ). هذا كناية عن عدم الاهتمام بآل فرعون حين أغرقهم الله في اليم (وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) بل عجل سبحانه لهم الهلاك في الدنيا (وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ) وهو قتل أبنائهم واستخدام نسائهم وبناتهم وتسخير رجالهم في أشق الأعمال (مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ) الذين تجاوزوا كل حد في الفساد والطغيان والتعالي والتعاظم.
(وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ). وصف سبحانه بني إسرائيل في كتابه بأقبح الأوصاف ، وسجل عليهم أعظم الجرائم كالغدر والاحتيال والتمرد على الحق وأكل المال بالباطل ، ووصفهم بالكفر والظلم ، ولعنهم في العديد من الآيات ، وهددهم بأشد العقوبات ... ومن هنا أجمع المفسرون على ان المراد بالعالمين في هذه الآية وأخواتها ان الله فضل الاسرائيليين على العالمين في زمانهم ، لا في كل زمان ... وقلنا في ج ١ ص ٩٥ : ان الله فضلهم على أهل ذاك الزمان من جهة واحدة فقط ، وهي ان الله أرسل منهم العديد من الأنبياء.