تذكرت حكمة بالغة للإمام زين العابدين (ع) تتصل بهذا الموضوع ، وهي أجمع وأبلع أثرا من الكتاب المذكور على الرغم من رواجه وترجمته الى أكثر من لغة .. وكأن الإمام يقصد بحكمته تفسير قوله تعالى : (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ). وهذه هي :
«إياك أن تتكلم بما سبق الى القلب إنكاره وان كان عندك اعتذاره ، فليس كل من تسمعه شرا يمكنك أن توسعه عذرا .. واجعل من هو أكبر منك بمنزلة الوالد ، والصغير بمنزلة الولد ، والترب بمنزلة الأخ ، فأي هؤلاء تحب أن تهتك ستره؟ وان عرض لك الشيطان ان لك فضلا على غيرك فانظر : ان كان أكبر منك فقل : قد سبقني بالايمان والعمل الصالح فهو خير مني ، وان كان أصغر منك فقل : قد سبقته بالمعاصي والذنوب فهو خير مني ، وان كان تربك فقل : أنا على يقين من ذنبي وفي شك من أمره فما لي أدع يقيني لشكي ، وان رأيت الناس يعظمونك فقل : هذا فضل أخذوا به ، وان رأيت منهم جفاء فقل : هذا لذنب أحدثته ، فإنك ان فعلت ذلك سهل الله عليك عيشك وكثر أصدقاؤك وقلّ أعداؤك ، وفرحت ببرهم ، ولم تأسف على جفاء من جفاك».
ومهما قال العلماء والحكماء في هذا الموضوع فلن يزيدوا شيئا عما انطوت عليه هذه الحكمة البالغة ... ولا بدع فإن قائلها ابن الوحي ، وخازن علمه ، والمتأدب بأدبه.
(وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ). لا يطعن بعضكم على بعض ، ولا تقولوا لأحد ما لا تحبون أن يقال لكم (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ). لا يخاطب أحدكم غيره بلقب يكرهه ، وقال الفقهاء : إذا لم يقصد من اللقب النقص والاستخفاف فلا بأس ، كالأعرج والأحدب والأعمش لمن اشتهر بذلك (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ). فيه تفسيران : الأول لا تقولوا للمؤمن : يا كافر وما أشبه. الثاني من عاب غيره بما يكره يصير فاسقا بعد ان كان مؤمنا ، وهذا أرجح من الأول عند كثير من المفسرين (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). من تاب من الذنب كمن لا ذنب له ، ومن أصر عليه فقد ظلم نفسه لأن الله ينتقم من المذنبين.