التي أمضينا في دراستها أمدا غير قصير. ومن الخير أن نلتزم التفسير الوسط بين الإيجاز والاطناب. وقبل كل شيء نمهد ببيان الفرق بين الشك والظن والعلم ، فالشك هو استواء كفتي الاحتمالين اثباتا ونفيا ، والظن ترجيح كفة أحدهما على الآخر ، مع بقاء الطريق مفتوحا للذي خف ميزانه ، والعلم تعيين أحدهما مع سد الطريق على الآخر من الأساس.
وقد تظن بإنسان خيرا أو شرا ، وقد تكون مصيبا في ظنك أو مخطئا .. ولا بأس عليك إطلاقا في حسن الظن بأخيك أصبت أو أخطأت ، ظهر اثر ذلك في أقوالك وأفعالك أو لم يظهر ، قال الرسول الأعظم (ص) : «ظنوا بالمؤمنين خيرا». وقال الإمام علي (ع) : «ضع أمر أخيك على أحسنه». أنظر ج ١ ص ١٤١ فقرة «أصل الصحة». وبهذا يتبين معنا لما ذا قال سبحانه : (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ) ولم يقل : كل الظن ، فإن كلمة كل من صيغ العموم تشمل حسن الظن وسوء الظن ، أما كلمة كثير فقد تستعمل بمعنى بعض وبمعنى معظم ، وهذا هو المراد بكلمة كثير في الآية ، والقصد هو حصر موضوع الآية ودلالتها بسوء الظن.
وسوء الظن من حيث هو ودون أن يظهر أثره في قول أو فعل ـ ما هو بمحرم وصاحبه غير مسؤول عنه ، لأن الإنسان لا حرية له في ظنونه وتصوراته ، وانما توحي بها الظروف والأسباب الخارجة عن ارادته واختياره .. أجل ، عليه أن لا يعول على ظن السوء ، ويعتبره كأنه لم يكن ، وإذا عوّل عليه وظهر اثر ذلك في قول أو فعل كان مسؤولا ومستحقا للذم والعقاب ، وهذا هو الظن الذي أراده سبحانه بقوله : (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ). قال الرسول الأعظم (ص) : «ثلاثة لا يسلم منها أحد : الطيرة ، والحسد ، والظن .. فإذا تطيرت فامض ، وإذا حسدت فلا تبغ ، وإذا ظننت فلا تحقق». وعلى هذا يكون معنى قوله تعالى : (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ) لا تعولوا عليه ، ولا تعملوا به تماما مثل قوله : (لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ).