(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ). المراد بالبناء هنا ان كواكب السماء محكمة في صنعها ، مستقرة في نظامها تسير عليه بكل دقة ، والمراد بالزينة الجمال ، أما قوله تعالى : (وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) فهو على حذف مضاف أي ما لكل كوكب من كواكبها فتوق وفطور ، كما في الآية ٣ من سورة الملك : (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ). والمعنى ألم ينظر المكذبون بالبعث الى ان بناء الكواكب لا يشبه بناء البشر في شيء لأن كل كوكب على ضخامته هو قطعة واحدة لا فواصل فيه ولا انفصام ، أما البناؤون من البشر فإنهم يبنون لبنة فوق لبنة ، بينهما فتوق وفطور ، وهم أعجز من أن يبنوا بيتا صغيرا كبناء الكوكب الطبيعي.
والآية رد صريح وحجة دامغة على من استبعد فكرة البعث ، وقال : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ). ووجه الرد : ان الذي خلق الكواكب بلا فتوق وفطور لا يعجز عن بعث الإنسان بعد موته لأن هذا أيسر من ذاك : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) ـ ٥٧ غافر. والبعث خلق.
(وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ). أي مهدناها وجعلناها مستقرا للإنسان ، وألقينا فيها رواسي أقمنا فيها الجبال كيلا تميد وتضطرب ، ومن كل زوج بهيج أخرجنا من الأرض أشكالا وألوانا من النبات يسر الناظرين ، ويطيب للآكلين. وتقدم مثله في العديد من الآيات ، منها الآية ٣ من سورة الرعد ج ٤ ص ٣٧٤ (تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ). خلق سبحانه الكون بما فيه من نظام وإحكام ليكون آية على عظمته تعالى لمن تدبر وأبصر ، وفيه اشارة الى ان علاقة الإنسان بالكون الذي يعيش فيه لا تنحصر بالمادة فقط ، بل هي قلبية أيضا.
(وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ، وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ). الطلع أول ما يظهر من الثمر ، والنضيد المنضود المتراكم بعضه فوق بعض كحب السنابل .. وصف سبحانه الماء بالبركة لأنه لا حياة للأرواح والأجسام بلا ماء ، والمراد بحب الحصيد حب النبات المحصود ، ووصف النخل بالطول للاشارة الى ان النخلة وقت الانبات تكون قصيرة ، ثم ترتفع بالأسباب