هذا تنزيل الكتاب ، ومن الله متعلق بتنزيل. لآيات اسم ان وفي السموات والأرض خبرها وآيات مبتدأ مؤخر. وفي خلقكم خبر مقدم وما يبث عطف على خلقكم. واختلاف الليل والنهار أي في اختلاف الليل والنهار خبر مقدم وآيات لقوم مبتدأ مؤخر. تلك آيات الله مبتدأ وخبر.
المعنى :
(حم) تقدم مثله في أول سورة البقرة (تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ). المراد بالكتاب القرآن ، وكله من أوله الى آخره وحي من الله ، لا من سواه ، وقال صاحب روح البيان : ان وصف الله بالعزيز هنا يشعر بأن القرآن معجزة تقهر كل من يتحداها ، وان وصفه بالحكيم يومئ الى ان القرآن يشتمل على حكم بالغة نافعة ... وليس من شك ان القرآن أعجز ويعجز كل من يعارضه ، وانه ينبوع الحكمة ومصدرها.
ثم أشار سبحانه الى الدلائل الحسية الناطقة بوجوده وعظمته ، منها : (إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ) أي لمن يريد ان يؤمن بالحق لأنه حق ، والمراد بالآيات هنا ما يستنتجه العقل من نظام الكون وسيره على سنن لا تحويل فيها ولا تبديل ، ولولا ثباتها واستمرارها لما أمكن رصدها وقياسها والاستفادة منها ، وبالتالي لم يكن لعلم الفلك وما يتصل به عين ولا أثر (وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ). من أراد علم اليقين بوجود الله فليفكر ويتأمل في نفسه وفي أي حي من الأحياء ، فهل يجد في واحد منها عضوا من أعضائه لا وظيفة له ، أو غريزة من غرائزه لا حكمة لها؟ ويدل هذا دلالة قاطعة على الارادة والتصميم ، وإذا لم نر المصمم بالحس فقد رأينا آثاره رأي العين ، وعليه يكون أيماننا بالغيب مستندا الى الحس والمشاهدة.
(وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ). أشار سبحانه في كتابه مرات الى اختلاف الليل والنهار لينبه العقول الى السر العجيب في دورة الأرض لأنها السبب الموجب لمجيء الليل بعد النهار ، ومجيء النهار بعد الليل ، ومهما قيل ويقال عن أسباب دورة الأرض حول نفسها أو حول الشمس فإن هذه الأسباب وغيرها من الأسباب