كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ـ ٢٣ البقرة.
ثانيا : ان انشقاق القمر حدث كوني هام ، فلو وقع لرآه أهل الشرق والغرب ، ودوّنه العلماء والمؤرخون الأجانب وغيرهم ، كما دوّنوا ما هو دونه من الأحداث.
ثالثا : ان الانشقاق من الموضوعات التي لا تثبت إلا بالخبر المتواتر ، وخبر الانشقاق من أخبار الآحاد ، فلا يصح الاعتماد عليه في هذا الباب ، والفرق بين الخبر الواحد والمتواتر ان رواة الثاني كثيرون ومختلفون في ظروفهم وأهدافهم بحيث لا يجمعهم على الكذب جامع ـ بحسب العادة ـ والخبر الواحد بعكس ذلك ، ولك ان تفرق بينهما بأن الخبر المتواتر يفيد الاطمئنان دون الخبر الواحد.
رابعا : ان قوله تعالى : (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) بعد قوله : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) ـ يدل على ان القمر ينشق حين تقوم الساعة ، وان المراد من الانشقاق هنا هو نفس المراد منه في قوله : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) ـ ١ الانشقاق أي يتصدع ما فيها من الكواكب يوم القيامة.
(وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) لا نهاية له على مدى الأيام. وفي الآية ٢٤ من سورة المدثر حكى سبحانه عن الوليد بن المغيرة انه قال : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) أي يروى (وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ). لقد أعماهم الهوى والجهل عن كل حجة ودليل ، فكذّبوا بكتاب الله ولقائه على الرغم من الدلائل الواضحة (وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ). هذا تهديد لمن أعرض عن القرآن ، والمعنى ان كل شيء ثابت في علم الله تعالى لا تخفى عليه خافية ، ومنه إعراض من أعرض عن القرآن ، ومثله قوله تعالى في الآية ٦٦ من سورة الأنعام: (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ).
(وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ). المراد بالأنباء هنا كل آية في القرآن فيها عظة وعبرة ، وترغيب وترهيب ، أو تدل على طريق الايمان بالله واليوم الآخر والوحي الذي نزل على رسول الله (ص) ، والمعنى ان الله سبحانه بيّن للمشركين على لسان نبيه محمد الدلائل الكافية على الحق ، والمواعظ الوافية