منه يعود على الله سبحانه والمجرور متعلق بمحذوف صفة للجميع. ويغفروا مجزوم بجواب أمر محذوف أي قل لهم : اغفروا يغفروا. فلنفسه متعلق بمحذوف خبرا لمبتدأ محذوف أي فنفع صلاحه عائد لنفسه. فعليها ايضا خبر لمبتدأ محذوف أي فضرر إساءته عائد عليها.
المعنى :
(وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً). بعد ان وضع سبحانه أمام العقل الدلائل الحسية المفيدة للجزم واليقين بوجوده تعالى ، وقال : من لم يؤمن بها فلن يؤمن بأي دليل غيرها ـ بعد هذا هدد وتوعد من لا يتدبر هذه الدلائل ، وينتفع بها ، وأسماه بالأفاك الأثيم ، وتوعده بالعذاب الأليم ، ووصفه بمعاندة الحق وتجاهله تعاليا وتعاظما ، وانه لم يكتف بذلك حتى سخر منه واستهزأ به ... ولا فرق في يوم الحساب بين هذا الكافر الساخر من الحق وأهله ، وبين من آمن به قولا لا فعلا ، وبالنظر لا بالعمل ، قال تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) ـ ٢١ الأنفال أي لا يقبلون ولا يعملون. وقال الإمام علي (ع) : البصير من سمع فتفكر ، ونظر فأبصر ، وانتفع بالعبر.
(أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ). أولئك اشارة الى كل أفاك أثيم ، والمراد بما كسبوا ، أموالهم وأولادهم وجاههم. وبما اتخذوا ، أصنامهم وأوثانهم ، والمعنى ان الذين استكبروا على الحق وسخروا منه مصيرهم الى جهنم يصلونها وبئس المهاد ، ولا ينجيهم من عذابها صنم ولا ولد ولا جاه ولا مال (هذا هُدىً). هذا إشارة الى القرآن ، وما من شك انه هدى لمن ائتم به ، وقوة لمن اعتمد عليه (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ). المراد بالآيات هنا الدلائل الكونية على وجود الله وعظمته ، والعذاب والرجز والأليم كلمات مترادفة أو متقاربة المعنى ، والغرض من التكرار تأكيد العذاب اللائق بالأفاك الأثيم الذي يستعلي على الحق ويسخر منه.