نقل الخلق من العدم الى الوجود ، وبها ينقلهم الى عالم لا يعرفون عنه شيئا ، ولو أراد سبحانه أن يستبدل بالعصاة من خلقه قوما مطيعين لفعل ولا راد لما أراد ، وفيه تهديد ووعيد لمن أعرض وتولى عن دعوة الحق : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) ـ ٣٨ محمد. (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ). علمتم بأنّا خلقناكم من لا شيء فهل نعجز عن جمع أجزائكم بعد تفرقها وإعادتها الى ما كانت عليه؟. وأبلغ تفسير لهذه الآية قول الإمام علي (ع) : عجبت لمن أنكر النشأة الأخرى وهو يرى النشأة الأولى.
٢ ـ (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ)؟. الإنسان يبذر ويغرس ويحرث ويسقي ما في ذلك ريب .. أما البذر والغرس والماء والأرض والنمو ، أما هذه وغيرها كالشمس والهواء فمن أين؟. فإن قالوا : انها من فاعل غير عاقل. قلنا لهم : وعليه فقولكم هذا من قائل غير عاقل (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ). الهاء في جعلناه يعود للزرع المفهوم من قوله تعالى : (ما تَحْرُثُونَ) والحطام الهشيم قال تعالى : (فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ) ـ ٤٥ الكهف وتفكهون تتعجبون مما حل بزرعكم من الآفات وتقولون : (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) قد تعبنا كثيرا وأنفقنا كثيرا على هذا الزرع ، ولزمنا من أجله ديون وغرامات ، ولم ننتفع بشيء .. وتقولون أيضا (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) من الخير والرزق ، ولا شيء آلم للنفس من إحساسها بالحرمان.
٣ ـ (أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ)؟
المزن السحاب ، ويشير به سبحانه الى أنه هو الذي أوجد في الطبيعة أسباب المطر ، والمعنى : وهذا الماء الذي هو أصل الحياة ، ولا غنى عنه بحال ، هذا الماء من الذي أوجد أسبابه في الطبيعة وأحكمها؟ أنتم أم الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا؟ وقد نبه سبحانه في كثير من الآيات الى أنه يحيي الموتى تماما كما يحيي الأرض بالمطر : (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ـ ٣٩ فصلت.
(لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْ لا تَشْكُرُونَ)؟ الأجاج هو الماء الذي بلغت