الآيات الكونية ، من ذلك ما ذكرناه عند تفسير الآية ٨٣ من سورة الإسراء ج ٥ ص ٧٩ فقرة «علم الخلايا» ، كما تقدم ذكر الأدلة على نبوة محمد (ص) عند تفسير الآيات التي تشير إلى ذلك ، ومنها ما ذكرناه قريبا عند تفسير الآية ٧٧ من سورة الواقعة فقرة «الإسلام وقادة الفكر الأوروبي».
ومحصل الآية التي نحن بصددها : كيف تعرضون عن دعوة الرسول الى الايمان بالله والى ما يحييكم ، وقد قامت الأدلة الكافية الوافية على وجود الله ووحدانيته ، وصدق الرسول في نبوته ودعوته؟. قال الرازي : ان تلك الدلائل لما اقتضت وجوب العمل بها كانت أوكد من الحلف واليمين ، ولذلك سمّاه سبحانه ميثاقا.
(هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ). أرسل سبحانه محمدا (ص) بالحجة الكافية والموعظة الشافية ليخرج الناس من طاعة الشيطان الى طاعة الرحمن ، من الضلال والفساد الى الهدى والصلاح ، وخوّفهم الرسول من سطوة الله وعذابه إذا أعرضوا ، ووعدهم بالحسنى وجزيل الثواب إذا استجابوا وأطاعوا وقال لهم : (وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ). ان الله بعباده رؤوف رحيم ، وبرّ كريم ، يلطف بهم من حيث لا يعلمون ، ويمهد لهم سبل الخير من حيث لا يحتسبون ، وينعم عليهم وهم يتمردون.
(وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)؟. كل ما في يد الإنسان من مال وحطام فهو عارية يتركه لمن بعده .. وهكذا حتى الإنسان الأخير ، فإذا ذهب الى ربه فلا وارث حينئذ إلا الله وحده : (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) ـ ٤٠ مريم وما دام الأمر كذلك ، فلما ذا الشح بالمال والإمساك عن البذل في سبيل الله؟. وفي نهج البلاغة : عجبت للبخيل يستعجل الفقر الذي منه هرب ، ويفوته الغنى الذي إياه طلب ، فيعيش في الدنيا عيش الفقراء ، ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء!.
(لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ). المقابل الثاني لقوله : لا يستوي محذوف أي ومن أنفق وقاتل بعد فتح مكة ، وتوضيح المعنى ان الشيء قد يقاس بالكم والكيف معا كالأطعمة والأشربة والألبسة والمجوهرات ، فإن ثمن