المعنى :
(إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ). بعد ان ذكر سبحانه حدود الله هدد من يتجاوزها ، ووصفهم بالمخالفة والعداء لله ورسوله ، وان عقابهم القهر والخزي تماما كعقاب الذين فعلوا ذلك من الأمم الماضية (وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ). أقام سبحانه الدلائل الواضحة على وجوده ونبوة رسوله (ص) وبيّن حلاله وحرامه ، وهذه الدلائل هي بالذات تدل أيضا على ان طاعة الله والرسول فرض ، وان من خالفهما يستحق العذاب الذي يهينه ويخزيه على رؤوس الأشهاد (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللهُ وَنَسُوهُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ). يجمع الله الخلائق غدا للحساب والجزاء على ما كانوا يعملون ، وإذا نسي المجرمون ما اقترفوا من الذنوب والسيئات كلها أو بعضها فإن الله قد أحاط بها علما فيخزيهم بما صنعوا ويذيقهم وبال أمرهم بالحق والعدل ، وهم لا يظلمون.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ). ألم تعلم يا محمد ان الله لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ، وتعلم أيضا (ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ). قوله تعالى : (وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ) اشارة الى ما دون الثلاثة ، وقوله : (وَلا أَكْثَرَ) إشارة الى ما فوق الخمسة. وقال جماعة من المفسرين : ان قوما من اليهود والمنافقين كانوا يجتمعون وينالون في الخفاء من مقام الرسول الأعظم (ص) والصحابة ، فنزلت فيهم هذه الآية .. وليس هذا ببعيد فان ظاهر الآية يومئ اليه ، والاعتبار يؤيده ، فإن الغيبة والنجوى بالإثم دأب المنافقين في كل زمان ومكان ، ومهما يكن فان المعنى هو لا تزعجك يا محمد أقوالهم ومناجاتهم بالنيل منك وممن آمن بك ، وكيف تهتم وتكترث وأنت على علم اليقين بأن الله يعلم السر من ضمائر المضمرين ونجوى المتخافتين قلوا أم كثروا؟ وأيضا تعلم ان الله يجمعهم غدا ويأخذهم بما كانوا يقولون ويفعلون .. والقصد من ذكر الثلاثة والخمسة مجرد التمثيل ب (إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) حتى تحريك الشفة ورجع الكلمة.