(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ). يومئ هذا الى أن النبي (ص) كان قد نصح للمتخافتين بنجوى السوء أن ينتهوا ولا يعودوا فلم يقبلوا منه وعادوا تمردا وعنادا ، فوبخهم سبحانه على معصية الرسول (ص) بصيغة التعجب التي خاطب بها نبيه الكريم تماما كما تقول لصاحبك: ألم تر الى هذا اللئيم العاق؟ (وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ). روي «ان ناسا من اليهود دخلوا على رسول الله (ص) وقالوا : السام عليك يا أبا القاسم. والسام هو الموت. فقال الرسول ، وعليكم ، فنزلت الآية» ونحن لا نشك في صحة هذه الرواية لأنها أصدق تعبير عن لؤم اليهود وحقدهم على الحق وأهله (وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ) فعلوا هذا وقالوا : لو كان محمد نبيا لأنزل الله بنا سوء العذاب لجرأتنا على نبيه (حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ). لا تستعجلوا ما هو كائن ، فإن الله سبحانه قد أعد لكم جهنم وساءت مصيرا ، وان غدا من اليوم قريب.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ). ان كثيرا من الناس يؤمنون بالله ، ويصومون له ويصلون حقا وصدقا لا كذبا ورياء ، ولكنهم يذهلون عن هذا الايمان في كثير من الأحيان ، ويتناجون بالإثم تماما كما يفعل المنافقون والكافرون. والخطاب في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ) لهؤلاء الذاهلين عن ايمانهم ، وقد أمرهم الله سبحانه ان يتناجوا بالخير ، فإنه أليق بالمؤمنين ، ولا يتناجوا بالشر كما هو شأن المنافقين والكافرين.
وكأنّ هذه الآية قد نزلت الآن في بعض الدول ومن اليها من الذين يتظاهرون بالإسلام ، وهم يناصرون إسرائيل في الخفاء ويوالون من يختفي وراءها ، ويغدق عليها أنواع الأسلحة لتقتل بها النساء والأطفال ، وتدمر بيوت الآمنين وتشردهم من ديارهم وأوطانهم .. وأي نفاق أعظم من ان يدعي مدع انه مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر ، وهو يوالي أعداء الله والانسانية ، ويبارك الظلم والاستغلال؟. وقد نهى سبحانه المؤمنين عن مناصرة الطغاة ولو بكلمة تقال بالسر ، وأمر بجهادهم بالقول والفعل سرا وجهرا.
(إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ