ذلك ريب ، وقد رأينا الظالم يقضي حياته دون أن يقتص أحد منه للمظلوم ، ولولا الاعادة للحساب والجزاء لكان المظلوم أسوأ حالا من الظالم وكان الله ظالما. تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
أما نعيم الدنيا فما هو بعلامة على رضا الله ، ولا بؤسها دليل على غضبه ، قال الإمام علي (ع) : أيها الناس ان الدنيا دار مجاز ، والآخرة دار قرار ، فخذوا من ممركم لمقركم ... واخرجوا من الدنيا قلوبكم من قبل أن تخرج منها أبدانكم ، ففيها اختبرتم ، ولغيرها خلقتم.
(وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ). هذا تعليل لنفي المساواة بين المحسن والمسيء ، وبيانه ان الله سبحانه خلق الكون حقا وعدلا ، لا عبثا وباطلا ، لأنه منزه عنهما ، وعليه فيستحيل أن يساوي بين المحسن والمسيء ، وإلا كان خلق الكون عبثا وباطلا ، لأن من يجوز العبث عليه في شيء يجوز عليه أيضا في غيره (وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ). هذا هو النهج القويم نهج الحق والعدل ، من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره. أنظر تفسير الآية ٤ من سورة يونس ج ٤ ص ١٣٢ فقرة : «الحساب والجزاء حتم».
والخلاصة ان الله حكيم منزه عن الخطأ ، وحكمته تعالى تحتم إحياء الإنسان بعد موته ليميز بين المحسن والمسيء ، ويجزي كلا بما يستحق وإلا كان الخلق عبثا ، قال تعالى في الآية ١١٥ من سورة المؤمنون : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ) أي تنزه عن العبث.
(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ)؟. من الناس من لا يؤمن بشيء إلا بنفسه ومصلحته .. وقد يهلل ويكبر بل ويصوم ويصلي ما دام ذلك لا يزاحم شيئا مما يحب ويهوى ، فهواه هو المعبود الحق عنده ، وما عداه وسيلة لا غاية أو عادة لا عبادة ، وهذا هو المقصود من قوله تعالى : (اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ). وقال قائل : انما سمي هوى لأنه يهوي بصاحبه إلى النار ، وقد أخذ هذا من قوله تعالى :(وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) ـ ٤٠ النازعات. وفي بعض التفاسير ان المشرك الجاهلي كان يهوى الحجر فيعبده ،