ثم يرى غيره فيهواه فيلقي الأول ، وهكذا من يتخذ إلهه هواه ... وليس من شك ان المشرك الجاهلي أخف جرما عند الله من العملاء الذين يبيعون دينهم وضميرهم بالمزايدة ، ويعقدون الصفقة مع من يزيد.
(وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ). الله سبحانه لا يضل أحدا ، كيف؟. وقد نهى سبحانه عن الضلال وتوعد عليه ، ولكن من يسلك طريق الضلال مختارا يدعه وشأنه ، ولا يشمله بلطفه وعنايته بعد أن علم جلت حكمته من العبد الضال الإصرار والعناد. أما قوله تعالى : (وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) فمعناه ان الله تعالى قد أعمى المعاند عن ادراك الحق ورؤيته وسماعه بعد أن بينه له وحثه عليه وأعرض عنه من غير مبرر ، قال تعالى : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) ـ ٥ الصف. (فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)؟ من لا ينتفع بنصائح الله ، ويتعظ بمواعظه ، فلا تنفعه العظات والنصائح.
(وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ). قال الماديون أو الدهريون عبّر بما شئت ، قالوا : ان الإنسان خليط من أشياء مادية تجمعت من هنا وهناك وتفاعلت ، فإذا مات فإلى فناء ولا شيء بعد الموت تماما كالنبات والحشرات ، وما نراه في الإنسان من إدراك وإحساس فهو من إفراز الجسم ووليد الظروف والملابسات أي ان عقل الإنسان وعاطفته من الأعراض الثانوية التي لا اصالة لها ولا استقلال.
(وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) أي ان قولهم هذا دعوى بلا دليل. بل قام الدليل على فسادها وبطلانها لأن الذي يتحكم بالمادة ويخضعها لمصالحه ، ويحللها في مصانعه ويعرف الكثير عنها ولا تعرف هي شيئا عنه ، ان هذا الإنسان العجيب لا بد أن يكون أعظم من المادة وأرفع منها مستوى. وسبق الكلام عن ذلك مرارا ، منها عند تفسير الآية ٧٨ من سورة النحل ج ٤ ص ٥٣٦.
(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ). وهذا تماما كقول من قال : أنا لا أصدق أن شجرة التفاح تثمر في الصيف إلا إذا رأيتها تحمل الثمر في الشتاء ، وان هذا الطفل إذا كبر