المعنى :
(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). جميع الكائنات تسبح بقدرة الله وحكمته بلسان المقال أو الحال ، وتقدم مثله بالحرف مع التفسير في أول سورة الحديد (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ). المراد بالذين كفروا هنا بنو النضير باتفاق المفسرين ، واختلفوا في معنى أول الحشر قال الرازي : ذهب ابن عباس والأكثرون الى ان معنى أول الحشر ان أهل الكتاب أخرجوا من جزيرة العرب للمرة الأولى ، وكانوا من قبل في عزة ومنعة .. وليس هذا ببعيد لأن الحشر الثاني كان على يد الخليفة الثاني ، والمعنى ان الله سبحانه أجلى بني النضير من ديارهم بأيدي المسلمين ، وكان هذا أول جلاء لليهود عن الجزيرة العربية ، أما السبب الموجب فهو غدرهم وخيانتهم ونقضهم عهد الأمان الذي قطعوه للرسول (ص) على أنفسهم.
وتسأل : لما ذا عاقبهم الرسول (ص) على خيانتهم بالجلاء ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة مع ان العقوبة على أنواع؟.
الجواب : لقد أخذهم بشريعتهم التي بها يدينون ، فقد نصت توراتهم على «ان المدينة التي تفتح لك فكل الشعب الموجود فيها لك للتسخير ويعبد لك ، فإن لم تسالمك بل عملت معك حربا فحاصرها ، وإذا دفعها الرب إلهك الى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف ، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة فهي لك غنيمة تغنمها لنفسك ـ اصحاح ٢٠ من التثنية» ... وليس من شك ان من دان بدين من الأديان أو مبدأ من المبادئ فعليه ان يلتزم بجميع أحكامه ، ويجريها على نفسه قبل أن يجريها على غيره ، وعلى هذا فإن النبي (ص) كان رؤوفا رحيما ببني النضير لأنه لم يقتل الذكور ويسبي النساء والأطفال كما نصت شريعتهم وتوراتهم .. وتكلمنا عن ذلك مفصلا في ج ٦ ص ٢٠٨ فقرة «هل ظلم محمد (ص) بني قريظة»؟
(ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ). الخطاب في ما ظننتم للمسلمين. وظنوا أي بنو النضير ، والمعنى ان المسلمين لم يتوقعوا على