المعنى :
(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ). يشير سبحانه بهذا إلى قدرته على الإحياء بعد الموت ، لأن من خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن قادر ، ولا ريب ، على أن يحيي الموتى (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ) لأن مأواهم النار في هذا اليوم ، وما لهم من ناصرين (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً). يحشر سبحانه الناس يوم القيامة باركين على الركب ينتظرون الحساب والجزاء ، وغير بعيد أن يكون هذا كناية عن هول المطلع وروعة الفزع.
(كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). المراد بالكتاب هنا صحيفة الأعمال ، والمعنى ان كل أمة ، وكل امرئ مجزي بما أسلف ، وقادم على ما قدم ، وفي نهج البلاغة : «إذا هلك المرء قال الناس : ما ترك ، وقالت الملائكة ما قدم». (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). يقال غدا للمجرمين : هذا ما كتبناه عنكم ، انه صورة طبق الأصل عن أعمالكم لا زيادة فيه ولا نقصان ، لأن الله قد أمر ملائكة الحفظ والصدق أن تسجل أفعالكم ، وتحفظ عليكم عدد أنفاسكم التي قضيتموها في المعصية ولا تستركم من الكتبة ظلمة ، ولا يكنكم منهم حجاب : (وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) ـ ٤٩ الكهف ج ٥ ص ١٣٥.
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ). سلكوا طريق الأمان ، فقادهم الى رحمة الله ورضوانه. وفي نهج البلاغة لن يفوز بالخير إلا عامله ، ولا يخزى جزاء الشر إلا فاعله (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ)؟. يقول سبحانه غدا للعتاة المتمردين تقريعا وتوبيخا : سمعتم صوت الحق فلم تستجيبوا له ، ورأيتم الواضحات من دلائله فأعرضتم عنها عنادا واستكبارا ، واسترحتم الى الفساد والضلال ، فأنتم اليوم من الخاسرين.