وظنوا انهم في حصن حصين من ضربات الدهر ودوراته أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر ليكون ذلك أنكى وأوجع لقلوبهم .. وسمى سبحانه هذا الامهال والاستدراج كيدا لأنه يشبه الكيد في ظاهره .. وإلا فإن الله منزه عن الكيد والمكر .. كيف ولا يلجأ اليه إلا عاجز ، والله يقول للشيء : كن فيكون .. هذا ، الى ان الغرض من ذكر الكيد أن لا يخدع الإنسان بالدنيا إذا أقبلت عليه وابتسمت له ، وان يكون على حذر من المخبآت والمفاجئات. وتقدم مثله في الآية ١٨٠ من سورة الأعراف.
(أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ). ما الذي جعلهم يكذبون برسالتك يا محمد؟ هل تقاضيتهم على الهداية مالا يصعب عليهم تحمله وأداؤه ، أم اطلعوا على علم الغيب ، ونسخوا عنه ما يدل على مزاعمهم وادعاءاتهم. وتقدم مثله بالحرف في الآية ٤٠ من سورة الطور (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ). صاحب الحوت هو النبي يونس الذي ضاق صدره من قومه فتركهم مغاضبا ، وتقدمت الاشارة اليه والى قصته مع قومه في الآية ٩٨ من سورة يونس والآية ٨٧ من سورة الأنبياء والآية ١٤٠ وما بعدها من سورة الصافات .. وقد أوصى سبحانه نبيه الكريم محمدا (ص) بالصبر على أذى قومه ، وان لا يعجل عليهم كما فعل يونس الذي التقمه الحوت ، فنادى وهو في بطنه : (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) ـ ٨٧ الأنبياء.
(لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ). دعا يونس ربه ، وهو في بطن الحوت ، فاستجاب دعاءه رحمة به ، ونبذه الحوت من بطنه في الفضاء ، وهو غير مذموم ولا ملوم عند الله ، ولو لا دعاؤه ورحمة الله لكان مذموما وملوما ، بل ولبقي في بطن الحوت الى يوم يبعثون. وتجدر الاشارة الى ان الذم هنا على ترك الأفضل لا على الذنب لمكان العصمة (فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ). من نعم الله على يونس انه تعالى أخرجه من بطن الحوت ، وهو راض عنه ، ورده الى قومه نبيا كما كان من قبل ، فانتفعوا به وبمواعظه ، ولو بقي في بطن الحوت الى يوم يبعثون لم يكن لنبوته أي أثر ، وقوله تعالى : فجعله من الصالحين معناه ان الله سبحانه يحشره غدا مع النبيين وفي زمرتهم.
(وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ). الخطاب