خذ ، واقرأ صحيفة أعمالنا ، فقد كنا نؤمن بالله واليوم الآخر ، وندخر له الذخائر.
(فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) أي مرضية ، وهي التي لا ينغصها شيء (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ قُطُوفُها دانِيَةٌ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ). هذا تفصيل بعد إجمال ، فكأن سائلا يسأل : ما هي هذه العيشة المرضية؟ فأجاب سبحانه بأنها جنة عالية الشأن والقدر ، ثمارها قريبة وسهلة التناول ، وتقول الملائكة لأهل الجنة : كلوا من ثمار جنة الخلد هنيئا واشربوا من شرابها مريئا جزاء ما عملتم من الخيرات والمبرات. وأفرد سبحانه ضمير هو في عيشة بالنظر الى لفظ «من» وجمع في كلوا واشربوا بالنظر الى معناها ، وهو الجمع.
(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ) وهو الذي كذب بالحساب والجزاء وطغى وبغى على العباد ، وعبّر سبحانه عنه بمن أخذ كتابه بالشمال للاشارة الى ان أعماله عادت عليه بالشؤم والوبال كما أسلفنا (فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ). تمنى لو انه لم يخلق أو لم يبعث من قبره ، تمنى ذلك بعد أن أيقن بعذاب لا دافع له من مال ولا جاه ولا حجة لو كان يملك شيئا من ذلك .. وانها امنية الخاسر اليائس ، ولا شيء وراءها إلا قوله تعالى لملائكة العذاب : (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ). اجمعوا يديه الى عنقه بالقيد (ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ). ألقوا به في نار جهنم (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ). والسبعون ذراعا كناية عن هول السلسلة وعذابها الأليم ، وان وقعها على المجرم يقاس بأعماله وما ترك من سوء الآثار في المجتمع. ومن الطريف قول بعض المفسرين : «اختلفوا في هذا الذراع. فقيل : انه الذراع المعروف. وقيل : هو ذراع الملك ـ أي ملك العذاب ـ وقيل : كل ذراع سبعون باعا ، وكل باع ما بين مكة والكوفة». ولا أدري : هل كان هذا القائل من مكة أم من الكوفة؟.
(إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ الْعَظِيمِ وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ). هذا بيان للسبب الموجب لعذابه الأليم ، وانه الكفر والطغيان وعدم الحث على البذل ، وفيه إيماء الى ان على الأغنياء أن يبذلوا ويحثوا على البذل (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ)