علمه مما ليس في الكتاب عليك فرضه ولا في سنّة النبي (ص) والأئمة أثره فكل علمه الى الله سبحانه ، فإن ذلك منتهى حق الله عليك ، واعلم ان الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السّدد المضروبة دون الغيوب ـ الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب ، فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما ، وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفوا البحث عن كنهه رسوخا ، فاقتصر على ذلك ، ولا تقدّر عظمة الله سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين».
(فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً). حذر النبي (ص) المشركين من يوم العذاب ، فتعجلوه ساخرين .. فقال سبحانه لنبيه الكريم : إذا استخفوا بيوم العذاب وسخروا منه فاصبر أنت يا محمد على هزئهم واستخفافهم صبرا لا جزع فيه ولا شكوى ، ولا تستبطئ النصر عليهم ، وإذا تحيلوا يوم العذاب أباطيل وأساطير فهو عند الله آت لا ريب فيه ، وكل آت قريب .. ثم وصف سبحانه اليوم الذي به يوعدون ومنه يسخرون ، وصفه بقوله : (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ). تذوب الأجرام السماوية ، وتصبح تماما كالزيت العكر ، ومثله قوله تعالى : (وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ) ـ ٢ التكوير. (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ) يخالها الرائي صوفا قد فرّق ونفش ، ومثله : (وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا) ٥ الواقعة أي فتتت.
(وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) لأن كل انسان في شغل شاغل بنفسه عن غيره ، والسعيد في ذلك اليوم من ادّخر له الصالحات (يُبَصَّرُونَهُمْ) بتشديد الصاد وفتحها من بصرته الشيء إذا أوضحته له ، وواو الجماعة تعود الى «حميم» المرفوع بالنظر الى معناه وان كان اللفظ مفردا ، و «هم» تعود الى «حميما» المنصوب باعتبار ارادة الجمع منه أيضا ، والمعنى لا أحد يسأل أحدا يوم القيامة حتى ولو كان من الأصدقاء والأقارب مع ان بعضهم يعرف بعضا في ذلك ، ولكنه يفر منه لما به من الكرب والبلاء.
(يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ). وتومئ «ثم» الى البعد أي هيهات