محمدا تغلب على جميع الصعاب ، وقام بالأمر على أكمل وجه ، أما السر في ذلك فيكمن في شخصية محمد وقوتها وعظمتها ، وفي صبره العجيب على تحمل الأذى في سبيل دعوته ، فكان يزداد صبرا وحلما كلما ازداد الطغاة في أذاه ، ولا يزيد على قوله : «اللهم اغفر لقومي انهم لا يعلمون ..» ان لم يكن بك غضب علي فلا أبالي.
وبهذا نجد التفسير الصحيح لقوله تعالى : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) ١٢٤ الانعام. أجل ، الله يعلم ان شخصية محمد أقوى من العقائد والتقاليد ومن الناس مجتمعين ، ولو لا علمه بذلك لما بعث محمدا ليتمم للبشرية مكارم الأخلاق : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) ـ ٧ الطلاق. وقد أدرك الأديب العالمي الشهير «برناردشو» هذه الحقيقة حيث قال : لو كان محمد بن عبد الله في القرن العشرين لقضى على ما فيه من فساد وضلال.
(إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) كأن سائلا يسأل : لما ذا أمر الله نبيه الكريم أن يتعبد في شطر من الليل؟ فأجاب سبحانه : لأن قيام الإنسان من مضجعه بعد هدأة من الليل يشق كثيرا على النفس ، وأفضل الأعمال أشقها ، ولأن قلب الإنسان في الليل أصفى وأهدأ ، فتكون تلاوته للقرآن أصوب وأثبت ، وأيضا يكون أكثر تجاوبا مع ما يتلوه من الآيات. وقيل : المراد بالوطء هنا المواطأة والموافقة بين القلب واللسان (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً). الليل للعبادة والتهجد ، والنهار للعمل والسعي في طلب العيش ، وهو طويل يتسع لكل ما يحتاجه الإنسان من أعمال.
وقال الشيخ عبد القادر المغربي عند تفسير هذه الآية : «قد يعترض معترض بأن قيام الليل يضعف الجسم عن المقاومة والمكافحة. وقد أجاب سيدنا علي (ض) عن ذلك بقوله : «وكأني بقائلكم يقول : إذا كان هذا حال علي بن أبي طالب ـ أي التخشن والتهجد ـ فقد قعد به الضعف عن قتال الأقران ومنازلة الشجعان ألا وان الشجرة البرية أصلب عودا والروائح الخضرة أرق جلودا ، والنباتات البدوية أقوى وقودا وأبطأ خمودا ، وأنا ورسول الله كالصنو من الصنو ، والذراع من العضد. أي انه هو وسيدنا رسول الله (ص) من أصل واحد في العمل والطريقة