المعنى غير مراد هنا من النفس اللوامة .. وقد يشعر الإنسان بالندم والحسرة على ما فرّط في جنب الحق ، وتهاون في عمل الخير ، سواء أفرّط وتهاون عن عمد وعلم بأنه آثر العاجلة على الآجلة ، أم كان ذلك عن جهل وغير قصد ، ثم تبينت له الحقائق كما هي حال الكافر في يوم القيامة ، وهذا المعنى بالذات هو المراد هنا من النفس اللوامة.
(أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ). قال منكرو البعث : مستحيل ان تحيا العظام وهي رميم .. قالوها بأساليب شتى ، وأجابهم سبحانه بشتى الأساليب ، من ذلك الآية التي نفسرها ، ومعناها ان الله هو الذي يجمعها ويحييها ، ولا غرابة فإن قدرته تعالى لا يعجزها شيء ، وفوق ذلك هو يعيد العظام تماما كما كانت حتى أدقها وأصغرها حجما كعظام أصابع اليد ، فإنها ترجع لسابق عهدها ببشرتها ولونها وما عليها من شعرات ، بل وما فيها من خطوط وبصمات .. وذلك على الله سهل يسير لأن الذي أتقنها أول مرة ، وجعل بصماتها تختلف في كل فرد عن الآخر منذ أول انسان الى الإنسان الأخير ـ يهون عليه أن يعيد الإنسان الى سيرته الأولى بجميع صفاته وخصائصه ، لأن اختلاف خطوط الأصابع وبصماتها على هذا النحو أكثر وأقوى دلالة على قدرته تعالى من اعادة العظام والأموات.
(بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ). الفجور الذنوب والآثام ، وفي أمامه معنى المضي والاستمرار ، وعليه يكون المراد بالإنسان هنا المجرم الآثم ، ومجمل المعنى ان هذا الآثم يريد التمادي والمضي في فجوره وآثامه الى يومه الأخير ، ومن أجل هذا (يسأل) ساخرا في عتو وعناد : (أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ)؟. متى أوانه؟ أقريب أم بعيد؟
(فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ). سأل المعاند : متى يوم القيامة؟ فذكره سبحانه بأوصافه ، وهي أن يزيغ البصر ، ويذهب نور القمر ، ويصطدم بالشمس لخراب الكون وانقطاع نظامه (يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ) من هذه الكارثة؟ هل من مغيث؟ (كَلَّا لا وَزَرَ) لا ملجأ ولا مفر (إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) فهو وحده مرجع العباد في ذاك اليوم ، والى