الحق والباطل ، وله وقت معين ولكن لا يعلمه إلا الله ، وفي هذا الوقت يفنى العالم ، وتنتقل الخلائق الأحياء منهم والأموات الى عالم آخر لا يشبه دنيانا في شيء ، عالم لا باطل فيه ولا فناء ، ولا عمل وادعاء .. لا شيء إلا النعيم لمن أحسن ، والجحيم لمن أساء ، ومن دلائله ما أشار اليه سبحانه بقوله : (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً). والصور بوق يكبر الصوت ، ولا ندري : هل أراد سبحانه هذا المعنى أو هو كناية عن بعث ما في القبور؟ ومهما يكن فإن الله سبحانه لم يكلفنا طلب هذا العلم ، ولا يتصل بحياتنا من قريب أو بعيد (وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً). هذا كناية عن خراب العالم العلوي بما فيه حيث يضطرب نظام الكواكب ، ويذهب ما بينها من تماسك ، وقال الشيخ محمد عبده : «قد تكون السماء بالنسبة إلينا أبوابا في ذلك اليوم ندخل من أيها شئنا بإذن الله». (وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً) أي شيئا كلا شيء كما قال سبحانه : (وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا) ـ ٦ الواقعة أي فتتت حتى صارت كالسويق الملتوت أو الغبار المنتشر.
(إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً لِلطَّاغِينَ مَآباً). بعد ان ذكر سبحانه الدلائل على قدرته ـ هدد المكذبين بنبوة محمد (ص) وبالبعث ، هددهم بأن جهنم لهم في الانتظار ، وهي مرجعهم الوحيد ومقرهم الأخير (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) مقيمين في جهنم مددا طوالا لا حد لها ولا نهاية إلا ان يشاء الله (لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً). وهل يجتمع البرد والماء مع النار؟ (إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً). هذا استثناء متصل لأن الحميم هو الماء المغلي على النار ، والغساق القيح والصديد اللذان يسيلان من الجسم المحروق بالنار (جَزاءً وِفاقاً) عذابا يوافق أعمالهم وسيئاتهم في الحياة الدنيا (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها).
(إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً). لقد أعمت الدنيا وترفها قلوبهم وعقولهم فكيف يرجون لقاء الله ، ويرون آياته وبيناته (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً). لا يخفى على الله من عباده ما اقترفوه في ليل أو نهار حتى ما يختلج في نفوسهم ، ويمر بضمائرهم (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً). ليس لكم عند الله إلا العذاب ، ولا تأملوا الا بمضاعفته وشدته.