خَلَقْنا) ـ ١١ الصافات. ج ٦ ص ٣٣٢ قال الشيخ محمد عبده : البناء ضم الأجزاء المتفرقة بعضها إلى بعض حتى يتكون بناء واحد ، وهكذا صنع الله الكواكب ، وضع كل كوكب في مكان على نسبة من الكوكب الآخر يتجاذبان ويتماسكان فكان المجموع بناء واحدا يسمى سماء ، وهذا هو معنى قوله تعالى :(رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها) أي رفع أجرامها فوق رؤوسنا فعدلها بوضع كل جرم في موضعه.
(وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها). أغطش أظلم ، وأخرج أضاء ، والضمير في ليلها وضحاها يعودان إلى السماء لأن منها الظلام بغروب الشمس ، ومنها الضياء بشروق الشمس. (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) أي بسطها ومهدها بحيث تصبح صالحة للسكن والسير ، وفي كتاب محاولة لفهم عصري للقرآن ما نصه : «دحاها أي جعلها كالدحية «البيضة» وهو ما يوافق أحدث الآراء الفلكية عن شكل الأرض .. ولفظة دحا تعني أيضا البسط ، وهي اللفظة العربية الوحيدة التي تشتمل على البسط والتكوير في ذات الوقت ، فتكون أولى الألفاظ على الأرض المبسوطة في الظاهر المكورة في الحقيقة .. وهذا منتهى الإحكام والخفاء في اختيار اللفظ الدقيق المبين».
(أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها). كل ما في الأرض من الماء هو من السماء ، قال تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) ـ ١٨ المؤمنون. ثم يفجر سبحانه هذا الماء ينابيع وعيونا وأنهارا ، فيخرج النبات يأكله الناس والدواب (وَالْجِبالَ أَرْساها). أثبتها كيلا تميد وتضطرب بمن فيها : (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) ـ ١٥ النحل (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ). خلق سبحانه الأرض ومهدها وثبتها وفجر فيها المياه وأخرج النيات ، كل ذلك وغير ذلك لخير الإنسان والانعام التي ينتفع بها الإنسان ، فهل جاء هذا كله صدفة وجزافا ، أم ان الذي أوجده وأنشأه أول مرة يعجز عن إعادته وإنشائه ثانية؟ : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) ـ ٢٧ الروم.