المعنى :
(عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) وهو ابن ام مكتوم ، قصد الرسول الأعظم (ص) ليسأله عن أحكام دينه ، فأعرض عنه لاشتغاله بما هو أهم كما ذكرنا .. وكان هذا الأعمى من المهاجرين الأولين ، والمؤذن الثاني لرسول الله (ص) واستخلفه على المدينة يصلي في الناس أكثر من مرة. وقيل : انه ولد أعمى وان اسمه عبد الله ، ووصفه سبحانه بالأعمى للاشارة الى عذره في الإلحاح بالمسألة (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى). أي شيء جعلك داريا وعارفا بحقيقة هذا الأعمى؟. ولو استجبت لرغبته وألقيت بعض أحكام الدين لانتفع وعمل بما تلقيه عليه.
(أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى). أعرضت عمن يشعر بالحاجة الى ما عندك من علم الله ، وأقبلت على من يرى نفسه في غنى عن الله وعنك بما يملك من جاه ومال ، ترجو هدايته ورجوعه عن الضلال. وهل ترجى الهداية ممن أعماه الهوى والجهل : (فَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ) ـ ٤٣ يونس. (وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى). لا شيء عليك ولا على الإسلام من كفر الكافر وضلاله ، ومثله : (وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً) ـ ٤٢ المائدة. (وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى وَهُوَ يَخْشى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى). تشاغلت بالمشركين طمعا بإسلامهم وهدايتهم ، وتعافلت عن المؤمن الذي قصدك للاستفادة من عملك اتكالا على إيمانه ، وان في وقت التعليم سعة وفسحة .. فدع الطغاة لله وحده فهو لهم بالمرصاد ، وأقبل على من تفتح قلبه للهدى والخير.
(كَلَّا) ان الله لا ينصر دينه بمن يرى نفسه في غنى عن الله وعنك بما عنده من جاه ومال ، وانما ينصر الحق بالطيبين أمثال هذا الأعمى ، وان كانوا من الفقراء والمساكين (إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ). ضمير انها يعود إلى آيات القرآن أو الى الهداية التي فيه ، وضمير ذكره يعود الى الله او الى القرآن ، والمعنى ان هذا القرآن كاف واف في الهداية لمن طلبها ، وما عليك يا محمد إلا البلاغ والتذكير ، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، ثم وصف سبحانه هداية القرآن وتعاليمه وأحكامه بقوله : (فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ) لها شأنها وكرامتها عند الله