هذا ما ذهب اليه أكثر المفسرين ، وله وجه أرجح وأقوى من الوجه الأول لمكان ضمير المخاطب «أنت» فان المراد به الرسول ـ بحسب الظاهر ـ وعليه يكون بيانا وتفسيرا للضمير الغائب في عبس والتفاتا من الغائب الى الحاضر .. ولكن قول المفسرين : ان الله عاتب النبي على ذلك لا وجه له على الإطلاق حيث لا موجب للعتاب في فعل الرسول (ص) لأنه أراد أن يغتنم الفرصة قبل فواتها مع أولئك العتاة ، أن يغتنمها ويستغلها لمصلحة الإسلام والمسلمين لا لمصلحته ومصلحة أهله وذويه ، أما تعليم المسلم الأحكام والفروع فليس له وقت محدود بل هو ممكن في كل وقت ، وبتعبير الفقهاء ان اسلام الكافر مضيّق يفوت بفوات وقته ، أما تعليم المسلم أحكام الدين فموسّع يمكن القيام به في أي حين ، والمضيق أهم ، والموسع مهم والأهم مقدم بحكم العقل .. اذن ، عمل الرسول آنذاك كان خيرا وحكمة.
وتسأل : على هذا ينبغي أن يوجه اللوم والعتاب على الأعمى دون غيره مع ان الله سبحانه قد أثنى عليه ، ودافع عنه؟
الجواب : لا لوم ولا عتاب على النبي ولا على الأعمى في هذه الآيات ، وانما هي في واقعها تحقير وتوبيخ للمشركين الذين أقبل عليهم النبي بقصد أن يستميلهم ويرغبهم في الإسلام لأن الله يقول لنبيه في هذه الآيات : لما ذا تتعجل النصر لدين الله ، وتسلك اليه كل سبيل حتى بلغ الأمر ان ترجو الخير وتأمل هداية أشقى الخلق وأكثرهم فسادا وضلالا .. دعهم في طغيانهم ، وأغلظ لهم ، فإنهم أحقر من أن ينتصر الله بهم لدينه ، وأضعف من أن يقفوا في طريق الإسلام وتقدمه ، فإن الله سيذل أعداءه مهما بلغوا من الجاه والمال ، ويظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون .. فهذه الآيات قريبة في معناها من قوله تعالى: (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) ـ ٨ فاطر. ثم انتقل سبحانه الى تقرير الحقيقة المطلقة ، وهي (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) قررها بأسلوب آخر ، وهو ان الذي يخشى ويزكى وتنفعه الذكرى هو الذي يستحق التكريم والتعظيم ، أما من يعرض عن الحق ولا ينتفع بمواعظ الله فيجب نبذه واحتقاره ، وان كان أغنى الأغنياء وسيد الوجهاء.