محمد عبده : هذا تلاعب بالتأويل ، وتضليل للناظر في كتاب الله .. واللائق ان يفسر الكريم هنا بالعظيم في جميع صفاته تعالى ، وان من كان كذلك فلا يترك عبيده سدى بلا سؤال ولا جزاء ، بل يحاسبهم ويثيب الأخيار منهم ، ويعاقب الأشرار ، وعليه فلا ينبغي للإنسان أن يغتر بالدنيا وزخرفها.
وللإمام علي (ع) كلام طويل حول هذه الآية ، أدرج مع خطب نهج البلاغة ، ويتلخص في مجمله بالآتي : ما الذي جرأك ايها الإنسان على معصية ربك ، وأنت تقيم في كنفه ، وتتقلب في نعمه؟ هل غرك منه إقباله عليك بالنعم ، وأنت متول عنه الى غيره؟. أما تعلم ان هذا الإقبال تفضل منه عليك ، وإمهال لك كي تؤوب الى رشدك وترجع عن غيك؟.
وعلى هذا يكون المراد بكرمه تعالى في الآية هو إمهاله لعبده المذنب وعدم أخذه بالعقوبة العاجلة ، وان عليه أن يبادر الى التوبة والإنابة ، ولا يغتر بالإمهال والإمداد.
(فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) قال بعض المفسرين : أي لم يجعلك خنزيرا أو حمارا. وقال آخر : صوّرك كما أراد طولا أو قصرا ، سوادا أو بياضا .. والذي نفهمه من هذه الآية هو فكّر أيها الإنسان في إحكام خلقك ، وإتقان تركيبك لتدرك عظمة الله في خلقه ، وان الذي أنشأك في أحسن تقويم قادر على ان يعيدك الى الحياة ثانية (كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ). ارتدعوا عن ضلالكم الذي لا مصدر له إلا التكذيب بالبعث .. فإنكم محاسبون ومسؤولون لا محالة عما كنتم تعملون (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) من خير أو شر ، ولا يستركم منهم شيء ، ومعنى كرام انهم أقوياء أمناء يؤدون مهمتهم على أتم الوجوه وأكملها. وتقدم مثله في الآية ٨٠ من سورة الزخرف. وتجدر الاشارة الى ان الذي يجب علينا اعتقاده ان أعمال العباد تحفظ وتحصى ، أما كيف؟ وبأي شيء؟ فنحن غير مسؤولين عن ذلك.
(إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ). الأبرار هم أهل الصدق وصالح الأعمال ، وجزاؤهم عند ربهم مغفرة وأجر كريم ، والفجار هم الذين يعيثون في الأرض فسادا ، وجزاؤهم نزل من حميم وتصلية جحيم (وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ) مطرف عين .. أبدا شقاء لازم ، وعذاب دائم (وَما أَدْراكَ