يحجم الإنسان عما يظن بل يتوهم انه يعود عليه بالضرر اليسير في الحياة الدنيا ، ولا يحجم إذا ظن انه ملاق ربه الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وعاقب عليها؟ .. اللهم إلا إذا جحد من غير شك وتردد.
(كَلَّا). لا يظن الذين يأكلون أموال الناس بالباطل انهم غير مبعوثين ليوم عظيم يقف فيه الناس بين يدي الله للحساب والجزاء .. قال الشيخ محمد عبده : لا فرق بين من أنكر اليوم الآخر وبين من تأوّل فيما يدفع عنه العقاب وينجيه من الحساب ، فإن التأويل لا يبتعد به عن منزلة المنكر ، بل هو معه في النار وبئس القرار (إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ). كتاب هنا مصدر بمعنى الكتابة. واختلفوا في معنى سجين ، وأقرب الأقوال الى الافهام انه اسم للسجل الذي أثبت فيه أسماء الفجار وأعمالهم ، والى هذا ذهب صاحب مجمع البيان لأنه قال : «هو ظاهر التلاوة» ووافقه الشيخ محمد عبده وقيل : هو من السجن بمعنى الحبس (وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ). من الذي جعلك به داريا؟ فان علمه عند الله وحده (كِتابٌ مَرْقُومٌ) فيه علامات تدل على أعمال المسيئين.
(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ). هذا تهديد ووعيد لمن يكذّب باليوم الآخر. وتقدم في العديد من الآيات. انظر سورة المرسلات (وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ). ضمير به يعود الى يوم الدين ، والمراد بآياتنا القرآن .. واليوم الآخر عذاب وجحيم على الطغاة المعتدين فكيف يؤمنون به؟ قال الشيخ محمد عبده : من كان ميالا الى العدل في أخلاقه وأفعاله فأيسر شيء عليه التصديق باليوم الآخر ، ومن اعتدى على حقوق الناس يكاد يمتنع عليه الإذعان بأخبار الآخرة لأن في ذلك قضاء على نفسه بالسفه ، وحكما عليها بالظلم (كَلَّا) ليس القرآن واليوم الآخر بأساطير وخرافات كما يزعم الجاحدون (بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ). تراكمت الذنوب على قلوب المجرمين حتى أعمتها عن رؤية الحق.
(كَلَّا). ارتدعوا عن الذنوب التي تعميكم عن الحق (إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ). لقد حجبتهم المعاصي عن الله ، وحالت بينهم وبين رحمته (ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ). بعد أن يطردوا من رحمة الله يقذف بهم في سواء الجحيم