المعنى :
هذه السورة كسورتي التكوير والانفطار ، تبين أهوال القيامة ، وانقسام الناس في يوم الدين الى فريقين : فريق في الجنة ، وفريق في السعير (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ). تنشق وتنفطر حين يريد الله خراب العالم الذي نحن فيه (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها). ومعنى أذن في اللغة استمع ، يقال : حدثته فأذن لي أي استمع لي ، وعليه يكون المعنى ان السماء استجابت وأذعنت لأمر الله ، وبكلمة ان الله على كل شيء قدير (وَحُقَّتْ) أي وحق لها ان تمتثل وتنقاد لأمره تعالى لأنها مخلوقة له وفي قبضته (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ). إذا قامت القيامة فقدت الأرض تماسكها وزال ما فيها من جبال وغيرها ، وعندئذ تصبح الأرض ملساء (وَأَلْقَتْ ما فِيها) أي ما في جوفها من الأموات وغيرهم (وَتَخَلَّتْ). أصبح باطنها خاليا مما كان فيه (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ) تماما كالسماء .. انه تعالى يتصرف في الكون بأرضه وسمائه خلقا وبقاء وفناء.
(يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ). المراد بالكدح هنا عمل الإنسان لنفسه من خير وشر ، والمعنى ان الإنسان غير مخلد في الحياة الدنيا ، وهو مجدّ في السير الى ربه ، وملاقيه بأعماله لا محالة ، وليس بينه وبين لقاء الله إلا الموت ، وما دام العمر في إدبار ، والموت في إقبال فما أسرع الملتقى .. فلينظر ناظر ما ذا أعد للقاء الله وحسابه؟ (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً). كل من آمن وعمل صالحا يؤتى غدا كتابه بيمينه ، والمراد بأهله هنا المؤمنون الصالحون من أمثاله حيث يجتمعون في الجنة على سرر متقابلين ، أما الحساب اليسير فهو الخفيف الهيّن الذي لا حرج فيه ولا مشقة ، وفي الحديث : من حاسب نفسه في الدنيا هان الحساب عليه في الآخرة.
(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً وَيَصْلى سَعِيراً). المراد بمن أوتي كتابه وراء ظهره المجرم الآثم ، والثبور الهلاك ، والسعير النار. وتقدم مثله في الآية ١٤ من سورة الفرقان.