محمد عبده الى التبادر في تفسيره لآي الذكر الحكيم .. أما الحكمة من القسم فقد تكون للتنبيه الى ما لهما من فوائد ، وقد تكون غير ذلك ، وما أكثر ما نجهل. (وَطُورِ سِينِينَ) الطور الجبل الذي كلّم الله عليه موسى. وسينين سيناء.
(وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ). وهو مكة التي شرفها الله بميلاد محمد (ص) وكرمها ببيته الحرام ، ومثله (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ). (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ). هذا جواب القسم ، وهو القصد من السورة كلها ، والتقويم التعديل والتنظيم .. أقسم سبحانه انه شمل الإنسان بلطفه وعنايته حين أوجده وأنشأه ، فخلق جسمه في أبدع الصور والأشكال ، وأودع في روحه من القوى والغرائز ما تسمو به على جميع المخلوقات ان شاء وأراد ، أو تهوي به الى الحضيض ان انحرف مع أهوائه ونزواته ، وإذا كان الله سبحانه قد اعتنى بالإنسان هذه العناية وأهلّه الى الرفعة والكمال فجدير بالإنسان أن يعتني بنفسه ، ولا ينحرف بها عما خلقت له وعليه من الجمال والكمال. ومثله (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) ـ ٦٤ غافر.
(ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ). الهاء في رددناه تعود الى الإنسان باعتبار بعض أفراده ، والمراد بأسفل سافلين هنا جهنم ، ولو لا السياق لقلنا : المراد به أرذل العمر من الهرم والكبر ، ولكن قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) قرينة واضحة على ارادة جهنم من أسفل سافلين .. والمعنى لقد خلقنا الإنسان في أحسن خلقة جسما وروحا ، ولكن بعض أفراده أو أكثرهم عصوا الله وكفروا بأنعمه ، فردّهم الى الدرك الأسفل من النار (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ). لكن الذين آمنوا وعملوا مخلصين بموجب ايمانهم يتنعمون في الجنان خالدين فيها أبدا ... إن الله عنده أجر عظيم. وتقدم بالحرف في الآية ٨ من سورة فصلت.
(فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ). «ما» لفظها استفهام ومعناها إنكار ، ويكذبك أي ما يحملك على التكذيب بدين الله بعد ان قامت عليه الأدلة والبراهين ، ومنها خلق الإنسان في أحسن تقويم (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ)؟ بلى انه أحكمهم صنعا وتدبيرا ، وأعدلهم قولا وفعلا ، وهو يقضي بالحق على من كذّب به استكبارا وعنادا.