مجمع البيان : لا يجوز ذلك لأنك لا تقسم بالشيء على نفسه ... ويرده ان القسم وقع على وقت نزوله لا عليه بالذات. وأمرا نصب على الاختصاص أي أعني بهذا الأمر أمرا حاصلا من عندنا. ورحمة مفعول من أجله لمرسلين أو لأنزلناه. وربكم أي هو ربكم.
المعنى :
(حم) تقدم الكلام في مثله بأول سورة البقرة (وَالْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) هي مباركة لنزول القرآن فيها ، وإذا عطفنا على هذه الآية قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) وقوله : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) ـ ١٨٥ البقرة ج ١ ص ٢٨٤ إذا فعلنا ذلك تبين معنا ان هذه الليلة المباركة هي ليلة القدر وانها احدى ليالي شهر رمضان المبارك ، وذكرنا في المجلد الأول ص ٢٨٥ ان بدء نزول القرآن كان في ليلة القدر ، لا ، انه أنزل كاملا فيها ، فراجع. (إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) بالعذاب الأليم من عصى وأفسد في الأرض ، وقد جاء هذا الانذار في القرآن الكريم الذي أنزل على قلب محمد (ص).
(فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِنْ عِنْدِنا). يفرق يبين ، وضمير فيها يعود الى الليلة المباركة ، وحكيم محكم. واختلف المفسرون في المعنى المراد من الأمر الحكيم ، فذهب أكثرهم الى أن الله سبحانه يقسم الأرزاق والآجال في هذه الليلة بين عباده ، وأيضا يغفر الكثير من الخطايا عمن يشاء.
وقال آخرون : ان المراد بالأمر الحكيم هو ما جاء في القرآن من تبيان كل شيء من أمور الدين ... وقال سبحانه فيها ، ولم يقل فيه أي في القرآن لأنه انزل في ليلة القدر ، أما قوله تعالى في سورة القدر : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) فمعناه ان أول عهد النبي (ص) بشهود الملائكة كان في تلك الليلة ، ويأتي البيان ان شاء الله.
(إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) أي ان الله سبحانه أرسل محمدا رحمة للعالمين كما في الآية ١٠٧ من سورة الأنبياء : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ). (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) يسمع الأقوال ، ويعلم النوايا (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ). ان العاقل إذا نظر الى الكون بتجرد وإمعان يشهد شهادة إخلاص وإيقان بأن الله هو مالك الكون بما