يزعمون ان القرآن كتابهم ، وهم أبعد الناس عن الرجولة وصفاتها ، لقد كلمت أستاذا منهم يشار اليه بالبنان في منافع بعض العلوم كي تدرس في الأزهر فقال : «اذن يجب أن نعلم الطلبة ركوب الخيل أيضا». قال هذا ليفحمني ، فهل يتفق قوله مع الايمان بكتاب الله؟ أنصف ثم احكم.
(إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ). هذا جواب القسم ، والكنود جاحد النعمة ، والحكم في الآية على الإنسان باعتبار الأغلب من أفراده ، والمعنى ان أكثر الناس ينسون الله عند النعم ، ويشكرونه عليها بالبذل منها في سبيله ، قال الرسول الأعظم (ص) : الكنود هو الذي يأكل وحده ، ويضرب عبده ، ويمنع رفده (وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ) أي ان أفعال الكنود تشهد عليه بلسان الحال انه كافر بأنعم الله .. وأشد أنواع الكفر بالله ونعمه ان يستظهر بها الإنسان على عباد الله وعياله.
(وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ). قال المفسرون : المراد بالخير هنا المال .. وليس من شك ان من اشتد حبه للمال فقد تجرد عن انسانيته وكفر بكل القيم إلا إذا كانت وسيلة لجمع المال .. ولو بحثنا عن الأسباب الموجبة لمآسي الانسانية وويلاتها لوجدناها تكمن في التنافس على الثروات وجمع المال. قال هربرت ماركيوز الذي عمل استاذا للفلسفة في جامعات كولومبيا ، وهارفارد ، وبرانديز في الولايات المتحدة قال في كتابه الإنسان ذو البعد الواحد : «من أين يأتي الحير في عصر لا يخلق إلا الشر حيث سيطرت المادة بشكل جعل الإنسان هو العبد ، وهي السيد القوي المتحكم».
(أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ). الضمير المستتر في يعلم يعود الى الإنسان أو الى الكنود ، ومفعول يعلم محذوف أي أفلا يعلم الإنسان مآله ومصيره؟ وبعثر ما في القبور خرج منها الموتى للحساب والجزاء ، وحصّل ما في الصدور ظهر ما فيها من النبات والمخبآت ، وضمير بهم يعود الى المبعوثين من القبور ، وخبير اشارة الى انه تعالى محيط بمقاصدهم وأعمالهم ومجازيهم عليها بما يستحقون. والآية تهديد ووعيد لكل من كفر بأنعم الله وتطاول بها على عباده. وتقدم مثله في العديد من الآيات ، منها الآية ٢٣٥ من سورة البقرة.