بدمائهم .. وما ان همّ أبرهة بهدم البيت حتى أرسل الله عليه وعلى جيشه أسرابا من الطير ترميهم بحصى صغيرة لا تصيب أحدا منهم إلا أصيب بمرض الجدري يتناثر منه اللحم ويتساقط ، فذعر الجيش وصاحبه ، ورحلوا هاربين ، وقد أصيب أبرهة بهذا الداء ، ومات في صنعاء.
وقال الدكتور طه حسين في كتاب «مرآة الإسلام» : «وفي هذه الموقعة أظهر عبد المطلب من الصبر والجلد ، ومن الشجاعة والثقة ما لم يظهره غيره من أشراف قريش ، ذلك انه قد أشار على قريش ان تخلي مكة ، فسمع له قومه ، وأقام هو بمكة لم يعتزلها ، وانما أقام عند الكعبة يدعو الله ويستنصره. ويقول الرواة : ان الجيش أغار على إبل قريش فاحتازها ، وجاء عبد المطلب الى أبرهة ، ولما دخل عليه لم يكلمه إلا في إبل له ، فصغر في نفس ابرهة ، وقال له : كنت أظن انك تكلمني في شأن مكة وشأن هذا البيت الذي تعظمونه. قال عبد المطلب : إني أكلمك في مالي الذي أملكه ، أما البيت فإن له ربّا يحميه إن شاء. فأرسل الله على ابرهة وجيشه من تلك الطير التي رمتهم بحجارة من سجيل فجعلتهم كعصف مأكول ، وعادت قريش الى مكة ، فازداد إكبارهم لعبد المطلب وشجاعته وثقته وثباته».
المعنى :
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ)؟. الخطاب لرسول الله (ص) والاستفهام لتقرير الواقع أي انك تعلم يا محمد ما صنع الله بأصحاب الفيل ، وهم الأحباش الذين أشرنا الى قصتهم ، والقصد من هذا الخطاب هو تسلية الرسول بأن الذي أهلك أصحاب الفيل قادر على إهلاك المكذبين برسالة محمد (ص). (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ). الكيد والمكر بمعنى واحد ، وهو تدبير السوء في الخفاء ، والمراد بالتضليل هنا التضييع ، يقال : ضلل كيده إذا جعله ضائعا ، والمعنى ان الأحباش دبروا السوء لبيت الله الحرام ، ولكن الله سبحانه ضيع كيدهم وخيب سعيهم (وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ) أي جماعات ، قال المفسرون والرواة : جاءت طيور صغيرة من جهة البحر فوجا بعد فوج (تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ)