المعنى :
قيل ان قوما من كفار قريش ذهبوا الى النبي (ص) وقالوا له : أنت سيد بني هاشم وابن ساداتهم ، ولا ينبغي أن تسفه أحلام قومك ، ولكن نعبد نحن إلهك سنة ، وتعبد أنت آلهتنا سنة ، فنزلت هذه السورة.
وتسأل : ما هو القصد من هذا التكرار؟ فإن قوله (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) هو عين قوله : (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) ولا فرق إلا ان هذه جملة اسمية ، وتلك جملة فعلية ، أما قوله : (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) فقد أعاده بالحرف الواحد؟.
وأجابوا عن ذلك بأجوبة ، منها ما ذهب اليه صاحب مجمع البيان ، وهو أن المراد بقوله أولا : (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) أي الآن وفي هذه الحال ، وقوله ثانيا : (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) أي في المستقبل ، فالفرق انما هو في الزمان حالا واستقبالا! ويلاحظ بأن كلا منهما يصلح للحال والاستقبال ، والتعليل يحتاج الى دليل.
ومن الأجوبة ما قاله أبو مسلم واختاره الشيخ محمد عبده ، وهو ان «ما» الأولى اسم موصول بمعنى الذي والمراد به نفس المعبود ، و «ما» الثانية مصدرية ، والمراد بها نفس العبادة ، وعليه يكون المعنى معبودي غير معبودكم ، وعبادتي غير عبادتكم ، وأنا لا أعبد معبودكم ولا عبادتكم ، وأنتم كذلك. ويلاحظ بأنه لا عبادة من غير معبود ، وان ذكر أحدهما يغني عن ذكر الآخر.
ومنها ان هذا تكرار يفيد التأكيد ، وكلما كانت الحاجة الى التأكيد أشد كان التكرار أحسن ، ولا شيء أحوج الى التأكيد من نفي الشرك بالله ، ومن ثم حسن التأكيد. ونحن على هذا الرأي.
(لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) على حذف ياء المتكلم أي ديني ، والمعنى لكم الكفر والشرك ، ولي الإخلاص والتوحيد ، ولا علاقة لي بكم ولا بما تعبدون ، وأنتم كذلك .. وهذا تهديد ووعيد. ومثله (أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) ٤١ يونس ج ٢ ص ١٦٢.