فلا تعود عليهم بخير (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ). كرهوا الرسول (ص) والقرآن الذي نزل عليه لا لشيء إلا لأنه أرادهم للحق وهم له كارهون ، فكانوا من الأخسرين أعمالا. والإضلال والإحباط بمعنى واحد ، وهو الضياع وعدم الجدوى من العمل ، وكرر سبحانه ليشير إلى أن ضياع العمل لا ينفك عن الكفر بالقرآن وكراهيته.
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ). كيف كذّب المشركون برسالة محمد (ص) وهم ينظرون في الأرض آثار الماضين ، ويسمعون بأن الله أنتقم منهم لما كذبوا الرسل؟ وتقدم مثله بالحرف الواحد في العديد من الآيات (دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ) أهلكهم بأولادهم وأزواجهم وأموالهم (وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها). ان حكم الله في الطغاة واحد ، فإذا دمر على الأوائل لطغيانهم فهو يدمر أيضا على الأواخر لنفس السبب.
(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ). ذلك إشارة إلى التدمير والتحطيم ، والمعنى ان الله أهلك الكافرين حيث لا ناصر لهم من دون الله ولا شفيع ، أما المؤمنون فالله يتولى أمورهم ويدافع عنهم وينعم عليهم (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ). المعنى واضح ، وتقدم في كثير من الآيات (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ). انهم تماما كالبهائم يأكلون ولا يفكرون في شيء ، فكان مصيرهم جهنم يصلونها وبئس القرار ، قال الإمام علي (ع) : «فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها ، أو المرسلة شغلها تقممها ـ أي التقاط القمامة ـ تكرش من أعلافها وتلهو عما يراد بها».
(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ). هذا تهديد للذين تآمروا على اغتيال الرسول الأعظم (ص) واضطروه الى الهجرة من بلده مكة الى المدينة. انظر تفسير الآية ٣٠ من سورة الانفال ج ٣ ص ٤٧٢. وفي تفسير الطبري عن ابن عباس ان النبي (ص) لما خرج من مكة قال : أنت أحب بلاد الله الى الله ، وأنت أحب بلاد الله إلي ، فلو أن المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك ، فأعتى أعداء الله من عتا على الله في حرمه أو قتل